تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[اختلاف الثقة مع الثقات]

ـ[ماهر]ــــــــ[13 - 08 - 06, 06:10 م]ـ

إن الاختلافات الواردة في المتن أو الإسناد تتفرع أنواعاً متعددة، لكل نوع اسمه الخاص به، ومن تلك الاختلافات هو أن يخالف الثقة ثقات آخرين، مثل هذه المخالفة تختلف، ربما تكون من ثقة يخالف ثقة آخر، أو من ثقة يخالف عدداً من الثقات، وإذا كان المخالف واحداً وليس جمعاً فيشترط فيه أن يكون أوثق ممن حصل فيه الاختلاف، وهذا النوع من المخالفة يطلق عليه عند علماء المصطلح الشاذ (1)، وهو: أن يخالف الثقة من هو أوثق منه عدداً أو حفظاً.

وهذا التعريف مأخوذ من تعريف الشافعي للشاذ، فقد روي عن يونس بن

عبد الأعلى، قال: قال لي الشافعي -رحمه الله-: ((ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ: أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس)) (2).

والشاذ في اللغة: المنفرد، يقال: شذّ يَشُذُّ ويشِذُّ – بضم الشين وكسرها – أي: انفرد عن الجمهور، وشذَّ الرجلُ: إذا انفرد عن أصحابه. وكذلك كل شيء منفرد فهو شاذ. ومنه: هو شاذ من القياس، وهذا مما يشذ عن الأصول، وكلمة شاذة…وهكذا (3).

إذن: الشذوذ هو مخالفة الثقة للأوثق حفظاً أو عدداً، وهذا هو الذي استقر عليه الاصطلاح، قال الحافظ ابن حجر: ((يختار في تفسير الشاذ أنه الذي يخالف رواية من هو أرجح منه)) (5).

ثم إن مخالفة الثقة لغيره من الثقات أمر طبيعي إذ إن الرواة يختلفون في مقدار حفظهم وتيقظهم وتثبتهم من حين تحملهم الأحاديث عن شيوخهم إلى حين أدائها. وهذه التفاوتات الواردة في الحفظ تجعل الناقد البصير يميز بين الروايات، ويميز الرواية المختلف فيها من غير المختلف فيها، والشاذة من المحفوظة، والمعروفة من المنكرة.

ومن الأمثلة لحديث ثقة خالف في ذلك حديث ثقة أوثق منه:

ما رواه معمر بن راشد، عن يحيى بن أبي كَثِيْر، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: ((خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، فأحرم أصحابي ولم أحرم، فرأيت حماراً فحملت عليه، فاصطدته، فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت أني لم أكن أحرمت، وأني إنما اصطدته لك؟ فأمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه فأكلوا، وَلَمْ يأكل مِنْهُ حِيْنَ أخبرته أني اصطدته لَهُ)) (6).

فهذا الحديث يتبادر إلى ذهن الناظر فيه أول وهلة أنه حديث صحيح، إلا أنه بعد البحث تبين أن معمر بن راشد – وهو ثقة – قد شذ في هذا الحديث فقوله: ((إنما اصطدته لك) وقوله: ((ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له)). جملتان شاذتان شذ بهما معمر بن راشد عن بقية الرواة.

قال ابن خزيمة: ((هذه الزيادة: ((إنما اصطدته لك) وقوله: ((ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته لك))، لا أعلم أحداً ذكره في خبر أبي قتادة غير معمر في هذا الإسناد، فإن صحت هذه اللفظة فيشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم أكل من لحم ذلك الحمار قبل

[أن] يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله، فلما أعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله امتنع من أكله بعد إعلامه إياه أنه اصطاده من أجله؛ لأنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قد أكل من لحم ذلك الحمار)) (7).

هكذا جزم الحافظ ابن خزيمة بتفرد معمر بن راشد بهاتين اللفظتين، وهو مصيب في هذا، إلا أنه لا داعي للتأويل الأخير لجزمنا بعدم صحة هاتين اللفظتين – كما سيأتي التدليل عليه -.

وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري - شيخ الدارقطني -: ((قوله: " اصطدته لك "، وقوله: " ولم يأكل منه "، لا أعلم أحداً ذكره في هذا الحديث غير معمر)) (8).

وقال البيهقي: ((هذه لفظة غريبة لم نكتبها إلا من هذا الوجه، وقد روينا عن أبي حازم بن دينار، عن عبد الله بن أبي قتادة في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل منها، وتلك الرواية أودعها صاحبا الصحيح (9) كتابيهما دون رواية معمر وإن كان الإسنادان صحيحين)) (10).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير