وقال ابن حزم: ((لا يخلو العمل في هذا من ثلاثة أوجه. إما أن تغلب رواية الجماعة (11) على رواية معمر لا سيما وفيهم من يذكر سماع يحيى من أبي قتادة (12)، ولم يذكر معمرا، أو تسقط رواية يحيى بن أبي كثير جملة؛ لأنه اضطرب عليه (13)، ويؤخذ برواية أبي حازم وأبي محمد وابن موهب الذين لم يضطرب عليهم؛ لأنه لا يشك ذو حسٍّ أن إحدى الروايتين وهم، إذ لا يجوز أن تصح الرواية في أنه عليه السلام أكل منه، وتصح الرواية في أنه عليه السلام لم يأكل منه، وهي قصة واحدة في وقت واحد في مكان واحد في صيد واحد)) المحلى 7/ 253.
وسأشرح الآن شذوذ رواية معمر، فأقول:
خالف معمر رواية الجمع عن يحيى، فقد رواه هشام الدستوائي (14) – وهو ثقة ثبت (15) وعلي بن المبارك (16) -وهو ثقة (17) ومعاوية بن سلام (18) -وهو ثقة (19) -، وشيبان بن عبد الرحمان (20) -وهو ثقة (21) فهؤلاء أربعتهم رووه عن يحيى بن أبي كثير، ولم يذكروا هاتين اللفظتين.
كما أن الحديث ورد من طريق عبد الله بن أبي قتادة من غير طريق يحيى بن أبي كثير، ولم تذكر فيه اللفظتان مما يؤكد ذلك شذوذ رواية معمر بتلك الزيادة؛ فَقَدْ رَوَاهُ عثمان بن عَبْد الله بن موهب (22) – وَهُوَ ثقة (23) -، وأبو حازم سلمة بن دينار (24)
- وَهُوَ ثقة (25) -، وعبد العزيز بن رفيع (26) –وَهُوَ ثقة (27)، وصالح بن أبي حسان (28) - وهو صدوق (29) -؛ فهؤلاء أربعتهم رووه عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، ولم يذكروا هاتين اللفظتين، كما أن هذا الحديث روي من طرق أخرى عن أبي قتادة، وليس فيه هاتان اللفظتان: فقد رواه نافع مولى أبي قتادة (30) -وهو ثقة (31) وعطاء بن يسار (32) - وهو ثقة (33) -، ومعبد بن كعب بن مالك (34) - وهو ثقة (35) -، وأبو صالح مولى التوأمة (36) - وهو مقبول (37) - فهؤلاء أربعتهم رووه دون ذكر اللفظتين اللتين ذكرهما معمر، وهذه الفردية الشديدة مع المخالفة تؤكد شذوذ رواية معمر لعدم وجودها عند أحدٍ من أهل الطبقات الثلاث.
والذي يبدو لي أن السبب في شذوذ رواية معمر بن راشد دخول حديث في حديث آخر؛ فلعله توهم بما رواه هو عن الزهري، عن عروة، عن يحيى بن عبد الرحمان ابن حاطب، عن أبيه أنه اعتمر مع عثمان في ركب، فأهدي له طائر، فأمرهم بأكله، وأبى أن يأكل، فقال له عمرو بن العاص: أنأكل مما لست منه آكلاً، فقال: إني لست في ذاكم مثله، إنما اصطيد لي وأميت باسمي (38).
فربما اشتبه عليه هذا الحديث بالحديث السابق، والله أعلم.
......................................
(1) انظر في الشاذ: معرفة علوم الحديث: 119، ومعرفة أنواع علم الحديث: 68، وفي طبعتنا 163، وجامع الأصول 1/ 177، والإرشاد 1/ 213، والتقريب: 67، وفي طبعتنا: 111، والاقتراح: 197، والمنهل الروي: 50، والخلاصة: 69، والموقظة: 42، ونظم الفرائد: 361، واختصار علوم الحديث: 56، والمقنع 1/ 165، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 192، وفي طبعتنا: 1/ 246، ونزهة النظر: 97، والمختصر: 124، وفتح المغيث 1/ 217، وألفية السيوطي: 39، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 177، وفتح الباقي 1/ 192، وفي طبعتنا: 1/ 232، وتوضيح الأفكار 1/ 377، وظفر الأماني: 356، وقواعد التحديث: 130.
(2) رواه عن الشافعي: الحاكم في معرفة علوم الحديث: 119، والخليلي في الإرشاد 1/ 176، والبيهقي في معرفة السنن والآثار 1/ 81 - 82، والخطيب في الكفاية: (223 ت، 141 ه).
(3) انظر: الصحاح 2/ 565، وتاج العروس 9/ 423.
(4) وإنما قلنا هكذا؛ لأن للشاذ تعريفين آخرين، أولهما: وهو ما ذكر الحاكم النيسابوري – أن الشاذ هو الحديث الذي ينفرد به ثقة من الثقات، وليس له أصل متابع لذلك الثقة. معرفة علوم الحديث: 119.
وثانيهما: وهو ما حكاه الحافظ أبو يعلى الخليلي القزويني من أن الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة، فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به. الإرشاد 1/ 176 - 177.
(5) النكت على كتاب ابن الصلاح 2/ 653 - 654.
¥