تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: لما استخدموا العبارة المذكورة في مجرد الارتقاء بإسناد الخبر إلى درجة أعلى في الإسناد، وصحَّ أن تكون تلك الدرجة هي الصحابي هنا، مع عدم وجود تنصيص منهم يُفسر مرادهم ويحصره فيما عرفناه بالاصطلاح في معنى المرفوع، فإن احتمال إرادة كونه عن أي قائل أو غافل فوق الراوي قائل تلك العبارة ودون النبي صلى الله عليه وسلم: احتمال قوي.

إلا أن نقف على ذلك الخبر من وجه معتبر مرفوعاً صراحة من قبل الراوي إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وليس من هذا قول أهل العلم المتأخرين اختصاراً في نقل الأحاديث من كتب الرواية (مرفوعاً) مثلاً، فإنا قد علمنا أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في سياقه في مصدره من كتب الحديث المسندة، وإن كان تحاشي ذلك خاصة في الأحاديث الثابتة أولى، كما تقدم التنبيه عليه.

المسألة الثالثة: قول الصحابي: (قال: قال) دون ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، هل هو مرفوع؟

هذه صورة نادرة الورود في روايات الحديث.

مثالها: ما حدث به أسود بن عامر شاذان قال: أخبرنا شعبة، قال: أخبرني إدريس الأوديُّ، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال: " لا يصلي أحدكم وهو يجد الخبَث " (24).

فتحرير هذه المسألة: أن هذه الصورة بمجردها لا تفيد رفع الحديث، بل هو موقوف من هذا الوجه، وهذا المثال المذكور مما اختلف فيه على شعبة أصلاً رفعاً ووقفاً، ولا يكاد يوجد لهذه المسألة مثال يسلم من علة، وعليه فيحول ذلك دون القول: إن هذه الصيغة تفيد الرفع.

وما ذكر عن محمد بن سيرين بخصوص ذلك مِن تركه رفع الحديث أحياناً وهو عنده مرفوع، فهو أمر غير مطرد على التحقيق.

وبيانه: أن الحافظ دعلجا السِّجزيَّ، قال: حدثنا موسى بن هارون بحديث حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة، قال: قال: " الملائكة تصلي على أحدكم مادام في مصلاه "، قال موسى: إذا قال حماد بن زيد والبصريون: (قال: قال) فهو مرفوع.

قال الخطيب: قلت للبرقانيَّ: أحسب أن موسى عنى بهذا القول أحاديث ابن سيرين خاصة؟ قال: كذا تحسب. (25).

قلت فهذا المثال لايصلح أن تُبْنى عليه قاعدة، وقول موسى بن هارون الحمَّال غير صحيح الإطْلاق، وما حسبه الخطيب من كون ذلك هناك محصوراً فيما يرويه ابن سيرين خاصة عن أبي هريرة صواب، ما لم تكن هناك قرينة في سياق الخبر تجعله على أصل الوقف.

وواقع الأمر أن ابن سيرين حدث عن أبي هريرة بأحاديث لم يكن يذكر فيها الرفع الصريح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهي محفوظة من حديث أبي هريرة مرفوعاً، أحياناً يوجد ذلك من رواية ابن سيرين نفسه عن أبي هريرة، يكون حدَّث به عنه لا يذكر الرفع، وتارةً يذكره، كما يكون مرفوعاً من رواية غير ابن سيرين عن أبي هريرة.

وهذا ما جاءت به الطرق للحديث المذكور، فإنه رواه من البصريين: أيوب السخستاني (26)، وهشام بن حسان (27) وعمران بن مسلم القصير (28)، جميعاً عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم به.

واستدل الخطيب لما حسب بقول ابن سيرين: " كل شيء حدثت عن أبي هريرة فهو مرفوع " (29).

وصح عن محمد بن سيرين: أنه كان إذا حدث عن أبي هريرة، فقيل له: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: " كل حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " (30).

قال الطَّحاوي: " وإنما كان يفعل ذلك؛ لأن أبا هريرة لم يكن يحدثهم إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم " (31).

وفي هذا عن ابن سيرين فائدة خاصة، وهي أن الخبر إذا جاء عنه عن أبي هريرة مرفوعاً وموقوفاً، فإن ذلك لا يعد من الاختلاف القادح في صحة الرفع، بل الحكم بالرفع متعين.

المسألة الرابعة: ما لا يقال مثله بمجرد الاجتهاد، فالأصل أن يكون مرفوعاً حكماً.

وذلك كتحديث الصحابي بما لا سبيل إلا معرفته إلا عن طريق الوحي، مع ضميمةِ أن لا يكون الصحابي يحدث بالإسرائيليَّات فيما يمكن أن يكون من أخبار أهل الكتاب مثل: ما يتصل بأخبار السابقين وبدء الخلق ومستقبل الزمان، ومن أشهر من عرف من الصحابة بالتحديث عن أهل الكتاب: عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبو هريرة، وربَّما وقع لغيرهما، خُصوصا من نزل الشام من الصحابة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير