[حديث النضح: دراسة حديثية فقهية]
ـ[ماهر]ــــــــ[15 - 08 - 06, 05:11 ص]ـ
حَدِيث عَلِيٍّ رضي الله عنه: ((ينضح من بول الغلام، ويغسل بول الجارية)). قَالَ الإمام التِّرْمِذِي: ((رفع هشام الدستوائي هَذَا الحَدِيْث عن قتادة وأوقفه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، وَلَمْ يرفعه)) (1).
وَقَالَ الحافظ ابن حجر: ((إسناده صَحِيْح إلا أَنَّهُ اختلف في رفعه ووقفه، وَفِي وصله وإرساله، وَقَدْ رجح البُخَارِيّ صحته وكذا الدَّارَقُطْنِيّ)) (2).
والرواية المرفوعة: رواها معاذ بن هشام (3)، قَالَ: حَدَّثَني أبي (4)، عن
قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود (5)، عن أبيه (6)، عن عَلِيّ بن أبي طالب،
مرفوعاً (7).
قَالَ البزار: ((هَذَا الحَدِيْث لا نعلمه يروى عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، إلا من هَذَا الوجه بهذا الإسناد، وإنما أسنده معاذ بن هشام، عن أبيه، وَقَدْ رَواهُ غَيْر معاذ بن هشام، عن قتادة، عن أبي حرب، عن أبيه، عن عَلِيّ، موقوفاً)) (8).
أقول: إطلاق البزار في حكمه عَلَى تفرد معاذ بن هشام بالرفع غَيْر صَحِيْح إِذْ إن معاذاً قَدْ توبع عَلَى ذَلِكَ تابعه عَبْد الصمد بن عَبْد الوارث (9) عِنْدَ أحمد (10)،
والدارقطني (11)، لذا فإن قَوْل الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ أدق حِيْنَ قَالَ: ((يرويه قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، رفعه هشام بن أبي عَبْد الله من رِوَايَة ابنه معاذ وعبدالصمد بن عَبْد الوارث، عن هشام، ووقفه غيرهما عن هشام)) (12).
والرواية الموقوفة: رواها يَحْيَى بن سعيد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، عن عَلِيّ، فذكره موقوفاً (13).
فالرواية الموقوفة إسنادها صَحِيْح عَلَى أن الحَدِيْث مرفوعٌ صححه جهابذة المُحَدِّثِيْنَ: البُخَارِيّ والدارقطني - كَمَا سبق - وابن خزيمة (14)، وابن حبان (15)، والحاكم (16) - وَلَمْ يتعقبه الذهبي –، ونقل صاحب عون المعبود عن المنذري (17) قَالَ: ((قَالَ البُخَارِيّ: سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه وهشام يرفعه، وَهُوَ حافظ)) (18).
أقول: هكذا صَحّح الأئمة رفع هَذَا الحَدِيْث، مَعَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ موقوفاً أيضاً؛ وهذا يدل عَلَى أن الحَدِيْث إذا صَحَّ رفعه، ووقفه، فإن الحكم عندهم للرفع، وَلاَ تضر الرِّوَايَة الموقوفة إلا إذا قامت قرائن تدل عَلَى أن الرفع خطأ.
أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء (كيفية التطهر من بول الأطفال)
وما دمت قَدْ فصلت القَوْل في حَدِيث عَلِيّ رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفاً فسأذكر اختلاف الفُقَهَاء في كيفية التطهر من بول الأطفال (19).
وقبل أن أذكر آراء الفُقَهَاء، أذكر جملة من الأحاديث المتعلقة بالمسألة لأحيل عَلَيْهَا عِنْدَ الإشارة إلى الأدلة طلباً للاختصار.
فأقول:
1. صَحَّ عن عائشة زوج النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: ((أتي النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بصبي، فبال عَلَى ثوبه، فدعا النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بماء فأتبعه إياه)). رَواهُ مَالِك (20)، وزاد أحمد وَمُسْلِم وابن ماجه في روايتهم: ((وَلَمْ يغسله)) (21).
2. صَحَّ عن أم قيس (22) بنت محصن ((أَنَّهَا أتت بابن صَغِير لَهَا –لَمْ يأكل الطعام– إلى رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم؛ فأجلسه في حجره، فبال عَلَى ثوبه؛ فدعا رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم بماءٍ، فنضحه وَلَمْ يغسله)). رَواهُ مَالِك، والشيخان: البُخَارِيّ وَمُسْلِم (23).
3. حَدِيث عَلِيّ رضي الله عنه وَقَدْ سبق: ((ينضح من بول الغلام، ويغسل من بول الجارية)).
4. صَحَّ عن أبي السمح (24) رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام)).
أخرجه: أبو دَاوُد (25)، وابن ماجه (26)، وَالنَّسَائِيّ (27)، وابن خزيمة (28)،
والدارقطني (29)، والمزي (30).
وَقَد اختلف الفُقَهَاء في الأحكام المستفادة من هذِهِ الأحاديث عَلَى مذاهب أشهرها مَا يأتي:
المذهب الأول:
¥