قال: وأما ابن معين فاضطرب فيه.
قلت: ليتق الله هذا الشاب المتهور في أئمة المسلمين, وليحذر انتقام الله عز وجل منه لسوء أدبه مع الأولياء. إنما يقال: اختلفت أقواله فيه, ولا يقال اضطرب, تأدبا. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال: وأما أحمد وأبو داود فيقصدان بالنكارة التفرد والغرابة
قلت: هذا أيضا كذب, لم يقل بهذا أحد, وأتحداه أن يجد إماما واحدا معتبرا يقول بما قال ابن الأزرق وأمهله حياته كلها. فمعنى قول الإمام أحمد: (أحاديثه مناكير) , أي ضعيفة ,وهو خلاف قوله: (منكر الحديث) , فهذا اللفظ يحتمل أن يكون معناه: يتفرد بأحاديث لا يرويها إلا هو, ويحتمل أن يكون بمعنى: ضعيف الحديث يخالف الثقات, ولعل ابن الأزرق وقع له الخلط بينهما وهذا هو المظنون به. وهذا شيء معروف لا يحتاج إلى شرح, ولكن صاحبنا معذور, فإنه لا يجد طريقة يرد بها الحق إلا اللعب والتشويش.
قال: ثم إن أبا داود غالبا ما يقلد أحمد في الحكم على الرجال
قلت: اتق الله , من أين لك هذا الفهم الغريب, وإن صح كلامك هذا ,فإن العلماء يعتبرون كلام الإمام أبي داود رحمه الله في الرجال, ولو وافق كلام الإمام أحمد رحمه الله.
قال: وأما عبارة ابن الجنيد فتحتمل معنيين: فالترك قد يعني عدم الأخذ عن الراوي, وقد يعني التضعيف , فلا يصح نسبة التضعيف إليهم بحال.
قلت: الاحتمالان كلاهما مسقط للاحتجاج بابن المؤمل. أم أن ابن الأزرق لم ينتبه!
قال: ثم وجدت ما يدل على أن الرجل موثق عند أحمد, فقد قال في نافع بن عمر الجمحي: ثيت ثبت صحيح الحديث, وقال مرة: نافع بن عمر الجمحي ثبت من عبد الله بن المؤمل. فصيغة (أثبت) تدل على اشتراك الرجلين في وصف الثبات
قلت: ابن الأزرق لا يعرف اصطلاحات أهل الحديث, وهذا سبب أخطائه الكثيرة, فقوله: (أثبت) يستعملها علماء الحديث كما يستعملون كلمات مثل أقوى وأصح ولا يعنون ظاهرها. فكثيرا ما يطلق أحدهما عبارة: هذا حديث أصح من هذا وكلاهما ضعيف.
وقد ذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/ 175) عن أحمد أنه قال في ابن المؤمل: ليس هو بذاك, وهي من ألفاظ التجريح كما ذكر ابن الصلاح وأقره العراقي في التقييد.
أما توثيق ابن حبان ففيه كلام, فإنه ضعفه جدا في كتابه المجروحين (2/ 27) , فقال: (قليل الحديث منكر الرواية, لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد).وسبب هذا أنه جعلهما رجلين, قال الحافظ في التقريب: (ذكره ابن حبان في الثقات وقال: (هو غير الذي قبله ـ يقصد المكي ـ) فوهم, هو هو).فضعف زعمُه أن أباها أمرها بذلك, وعلى فرض صحة الخبر, فإن عائشة تصدقت تورعا.قال ابن حزم رحمه الله في المحلى: (ليس في هذا الخبر أنها قصدت بذلك قصد دية وجبت عليها فزيادة ذلك عليها كذب لا يحل وإنما هي صدقة تصدقت بها) وقال: (إنما هي أحلام نائم, لا يجوز أن تشرع بها الشرائع, والأظهر أنها من حديث النفس, فصح أنها صدقة تطوع منها رضي الله عنها فقط, لا يجوز غير ذلك أصلا).
وقال ابن الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/ 197) في رواية ابن المؤمل: (رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل عن عفيف وهو ثقة, وابن المؤمل فيه ضعف, والإسناد الأول أصح, وما أعلم أحدا اليوم يقول بوجوب دية في مثل هذا).
الشاهد الرابع: ذكر قصة عائشة مع المدبرة التي سحرتها نقلا عن ابن القيم في كتاب الروح قال: ذكر مالك عن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة
قلت: من روى هذه القصة من طريق مالك, فإن لم يكن عندك جواب فلا عبرة بهذه الرواية حتى يعرف مصدرها.
قال: وقد تابع الإمام يحيى بن سعيد مالكا على هذا الحديث ولم يذكر المنام
قلت: أحسنت بقولك: (ولم يذكر المنام) وأرحتنا من روايتك هذه.
الشاهد الخامس عمر يكره التقبيل في الصوم.
قال: هذا حديث حسن رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح
قلت:كيف يكون حسنا ورجاله كلهم ثقات. فإن كانوا كذلك فالحديث صحيح لا حسن, وأظنك لا تعرف قواعد التصحيح بل أعتقد ذلك جزما.
قال: الذي ترجحه القواعد هو أنه موثق لسببين:
الأول: وهو أن عدد المضعفين أقل من الموثقين, فقد وثقه ثلاثة أئمة هم: مسلم حيث أخرج له في الأصول من صحيحه وابن حبان والحاكم وقال: أحاديثه كلها مستقيمة
الثاني: هو أن المضعفين لم يذكروا سبب الجرح, والقاعدة أن التعديل مقدم على الجرح إذا كان المجرحون أقل عددا, أو لم يفسروا علة جرح الراوي
¥