قلت: بل عدد المضعفين أكثر إن اعتبر قول النسائي تضعيفا وليس كذلك, فقد قال فيه ابن عدي في الكامل: يكتب حديثه, وهذا لا يقال في مقبول الرواية, ومعنى قوله ذاك: يكتب حديثه للمتابعات لا للاحتجاج.
ثم إني أعيب على الأستاذ أن يذكر توثيق ابن حبان ولا يذكر عبارة له في الثقات في ترجمة عمر, وهي: (وكان ممن يخط) , وهي عبارة تعكر عليه ما يدعيه. وخلاصة البحث أن الرجل ضعيف كما قال الحافظ في التقريب, وهو أولى بالفهم منك يا فتى.
وأما أن مسلما أخرج له في الأصول فكذب أو جهل: فقد نص الإمام الذهبي وهو من أهل الشأن حقا لا الفتى ابن الأزرق أنه روى له متابعة كما في المغني في الضعفاء. وهذا يبطل دعوى توثيق مسلم له.
وأما أن المضعفين لم يفسروا جرحهم لعمر, فمكابرة, وسوء فهم, فقول أحمد: أحاديثه مناكير مفسر مبين, وكذلك الآخرون, وأعتقد أن الأستاذ لا يعرف معنى جرح مفسر وجرح غير مفسر, فعلى فهمه ستصح مئات الأحاديث بهذه الدعوى.
قال: كل من درس علم الجرح والتعديل يعرف أن الإمام يطلق النكارة ويقصد بها التفرد بالحديث حينا والتجريح حينا آخر, والاحتمال يبطل الاستدلال, فلا يصح ذكر أحمد بين المجرحين, إلا إذا وجدت قرينة تثبت أنه يقصد تجريح الرجل, وهو ما لم يثبت لدينا.
قلت: هذا الكلام صحيح في قول الإمام أحمد وغيره: منكر الحديث, وهذا أمر مشهور يعرفه من درس علم الجرح والتعديل كما قال الأستاذ, لكن الذي لا يعرفه الأستاذ أن كل من درس علم الجرح والتعديل يعرف أن الإمام إذا قال في الراوي: أحاديثه مناكير, فإنه يقصد تضعيفه والسلام. هذا ما لا يعرفه الأستاذ.
قال: احتج بهذا المنام بعض الفقهاء على كراهة القبلة للصائم, فدل صنيعهم على أنهم لا يرون في الاحتجاج بالرؤى أي بأس
قلت: هؤلاء الفقهاء سلف ابن الأزرق هم من الصوفية, وليس فعلهم حجة على غيرهم من العقلاء, وقد رد ابن حزم والطحاوي هذا الصنيع منكرين عليهم احتجاجهم بمنام لا يصح. فقال ابن حزم في المحلى (6/ 144/دار النفائس): (الشرائع لا تؤخذ بالمنامات, لا سيما وقد أفتى رسول الله r عمر في اليقظة حيا بإباحة القبلة للصائم, فمن الباطل أن ينسخ ذلك في المنام ميتا! نعوذ بالله من هذا).
وقال الطحاوي في شرح معاني الآثار [2/ 89]: (قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليقظة قد قامت به الحجة على عمر ,وحديث عمر بن حمزة إنما هو على قول حكاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم وذلك مما لا تقوم به الحجة فما تقوم به الحجة أولى مما لا تقوم به الحجة.)
وردا هذا الأثر الغريب بما رواه أبو داود (2385) عن جابر بن عبد الله قال: قال عمر بن الخطاب:
هششت (هش لهذا الأمر: إذا خرج به واستبشر) فقبلت وأنا صائم فقلت: يا رسول الله، صنعت اليوم أمرا عظيما، قبلت وأنا صائم قال: "" أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم "" قال عيسى بن حماد في حديثه: قلت: لا بأس به، ثم اتفقا قال: "" فمه ". وهذا الحديث الصحيح دليل على بطلان رواية المنام.فإنه لا يعقل أن يرد عمر بن الخطاب رواية اليقظة برواية المنام ولو كان الآمر النبي r! ولا يفعل هذا إلا ابن الأزرق وأمثاله, وهم الذين أنكر عليهم الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في الاعتصام فقال: (و أضعف هؤلاء احتجاجا قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المنامات و أقبلوا وأعرضوا بسببها و هو خطأ لأن الرؤيا لا يحكم بها شرعا على حال إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية). وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: (رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعي).الفتح [2/ 283]
قال: وبعد, فقد كان عمر لا يرى بقبلة الصائم بأسا, ثم إنه غير اجتهاده بعد تلك الرؤيا, فصار يكرهها وينهى عنها كما يدل عليه هذان الأثران, ثم ذكر أثرين فيهما فتوى عمر بالمنع من القبلة للصائم معللا نهيه بأنه لا يؤمن على أحد أن تغلبه شهوته.
¥