وهي صريحة في أنه ما كان يجزم بها وأن كثير بن الصلت لم يعتبرها فقد سأله عن ما عنده مسموعا من النبي ,صلى الله عليه وسلم ولكن الرواية ساقطة فإن فيها إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر النخعي وهو منكر الحديث, ولسنا ممن يستبيح الاستشهاد بمثل هذا, ولا ممن يبادر إلى تصحيح الرواية بالتدليس والتزوير عافانا الله من ذلك.ويغني عنها ما رواه الترمذي وابن ماجه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: (وددت أن عندي بعض أصحابي) قلنا: (يا رسول الله, ألا ندعو لك أبا بكر؟ فسكت قلنا: ألا ندعو لك عمر؟ فسكت. قلنا ألا ندعو لك عثمان؟ قال: (نعم) فجاء فخلا به, فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه ووجه عثمان يتغير) قال قيس: فحدثني أبو سهلة مولى عثمان أن عثمان بن عفان قال يوم الدار: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا فأنا صائر إليه وقال علي في حديثه وأنا صابر عليه) قال قيس: (فكانوا يرونه ذلك اليوم) والحديث صحيح. وفيه دليل على أن عثمان كان عنده علم بما سيؤول إليه الأمر في يوم الدار.
لطيفة:
أشار إلى ما ذكرت بعض الفضلاء فقال:
وبلغ بشرى الهاشمي بأنه من الجنة العليا بأكرم مقعد
ولكن على بلوى وقال سأرتضي وأصبر صبر الطائع المتجلد
فأظهر يوم الدار صبر أولي النهى ولو شاء لم تظفر به يد معتد
ولم يرض صونا للدماء بحربهم وكان متى يستنجد القوم ينجد
فمات شهيدا صابرا فهو خير من على نفسه في غير حق قد اعتدي
وأما قوله: ثم يأتي شرذمة من ذراري المسلمين ... فظلم وافتراء وتكبر على الناس, فإن الذين وصفهم ابن الأزرق لا ينكرون تعظيم أمر الرؤيا في ما لا خطر له ولا شأن كما قال , ولكن ينكرون عليه وعلى جماعته استعمالهم الرؤى في الأحكام والعقائد والجزم بالغيبيات, وتساهلهم في قبول دعاوى المدعين دون النظر في عدالتهم, وبين الأمرين فرق كبير, أفلا يتقي ابن الأزرق الله تعالى.
الشاهد الحادي عشر: عامر يقوم الليل
ذكر فيه أن عامر بن ربيعة قام الليل بعد رؤيا رآها تحضه على الطاعة.
قلت: ليس في هذا شيء, فاستعمال الرؤيا في مثل هذه الأمور مرغوب فيه. لأن قيام الليل مشروع أصلا.
الشاهد الثاني عشر: ابن خارجة يعتزل الفتنة
ذكر فيه أن ابن خارجة اعتزل لرؤيا رآها
قلت: يقال هنا مثل ما قيل في بيان حقيقة الشاهد الحادي عشر. لأن اعتزال الفتنة مرغب فيه في أحاديث.
الشاهد الثالث عشر: تحويل قبر طلحة
ذكر رواية ابن أبي شيبة وابن سعد عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم. وقال: إسناده صحيح رجاله رجال الشيخين
قلت: هذا كلام سليم سوى من شيء واحد لم ينتبه إليه, وهو أن قيسا كبر حتى أدرك المائة من العمر, قال إسماعيل بن أبي خالد الراوي عنه هنا: جاوز المائة بسنين كثيرة حتى خرق وذهب عقله. وذكره من جملة المختلطين من الرواة صاحبا الاغتباط والكواكب النيرات.
قال في رواية ابن أبي الدنيا: والشاهد هنا هو أن التحويل المستند إلى الرؤيا تم في زمن الصحابة من غير إنكار.
قلت: وقوع فعل ما زمن الصحابة لا يدل على إقرارهم له, فقد يقع الفعل ولا يطلعون عليه, فما أدرى ابن الأزرق أن التحويل وقع زمن الصحابة بعلمهم, عليه بدليل لكل قيد من هذين القيدين.
قال: بل وقع في بعض الطرق أن الأصحاب هم الذين أفتوا بذلك ثم ذكر رواية ابن عبد البر في الاستيعاب.
قلت: فيها علي بن زيد وهو ابن جدعان وهو ضعيف وكان اختلط.وبهذا تسقط الدعوى.
قال: ومن فوائد الحديث إمكان الاطلاع على الغيب بواسطة الرؤى, فحال طلحة في قبره من الغيب.
ما استند إليه ابن الأزرق لم يصح ولله الحمد. ثم إنه لا بد من التنبيه إلى مسألة, وهي حكم نبش القبر لغير ضرورة, وقد أشار ابن الأزرق إلى حكم ذلك فقال: قد تقرر أن نبش القبر لا يجوز إلا لضرورة, وهذا شيء مختلف فيه, فقد روى البخاري عن جابر قال: (دفن مع أبي رجل, فلم تطب نفسي حتى أخرجته ,فجعلته في قبر على حدة) وبوب له بقوله: (باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة).قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (في حديث جابر دلالة على جواز الإخراج لأمر يتعلق بالحي, لأنه لا ضرر على الميت في دفن ميت آخر معه, وقد بين ذلك جابر بقوله: ((فلم تطب نفسي))) فأمام ابن الأزرق شيئان, إما أن يأخذ بأثر جابر وقصة عائشة بنت طلحة, ويكون الكلام فيهما واحدا , وهو ما ذكره ابن حجر, فلا
¥