يبقى له في أثرها متمسك, وإما أن يقول: ليس فعل جابر حجة, فيكون قد أجاب بنفسه على قصة عائشة بنت طلحة وهي دون جابر في الفقه والعلم. وعلى فرض صحة القول بأنه لا يجوز نبش القبر إلا للحاجة, فقد ذكر العلماء أن مما يجيز ذلك الخوف من تأذي جسد الميت بسيل أو رطوبة أو غيرها, ودليل ذلك ما رواه الإمام مالك في الموطأ أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين السلميين كانا قد حفر السيل قبرهما, وكان قبرهما مما يلي السيل ,وكانا في قبر واحد. وهما ممن استشهد يوم أحد, فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما, فوجدا لم يتغيرا, كأنهما ماتا بالأمس, وكان أحدهما قد جرح ووضع يده على جرحه, فدفن وهو كذلك, فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت, فرجعت كما كانت, وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة) وفيه انقطاع. لكن قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد (19/ 239): (هكذا هذا الحديث في الموطأ مقطوعا لم يختلف على مالك فيه, وهو يتصل من وجوه صحاح بمعنى واحد متقارب)
وسئل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى عن مثل ذلك فقال كما في الفتاوى (24/ 303): (لا ينبش الميت من قبره إلا لحاجة مثل أن يكون المدفن الأول فيه ما يؤذى الميت فينقل إلى غيره, كما نقل بعض الصحابة في مثل ذلك)
وقد ذكر ابن قتيبة في المعارف أن من رآه في المنام ابنته كما قال النووي في المجموع والتهذيب. وبعد هذا كله أقول لابن الأزرق: بناء على الإلزام الذي ألزمته, إن كنت اخترت الاحتجاج بهما معا, فإن فعل عائشة لا شيء فيه, ويجوز لها ذلك, رأت مناما أو لا, والأخذ بالمنامات في ما يشرع أصلا جائز. وإن كنت أسقطت الاحتجاج بهما معا فقد أرحتنا وأرحت نفسك. والله تعالى أعلا وأعلم.
فائدة
نظم بعضها الفقيه محمد بن عبد الولي بن جعمان الصور التي يجوز فيها نبش الميت وقد يجب في بعضها كما (إعانة الطالبين 2/ 122):
يحرم نبش الميت إلا في صور فهاكها منظومة ثنتي عشر
من لم يغسل والذي قد بليا أي صار تربا وكذا إن ووريا
في أرض أو ثوب كلاهما غصب و بالع مال سواه وطلب
أو خاتم ونحوه قد وقعا في القبر أو لقبلة ما أضجعا
أو يدفن الكافر في أرض الحرم أو يتداعى اثنان ميتا يطم
أو يلحق الميت سيل أو ندى و من على صورته قد شهدا
أو جوفها فيه جنين يرتجى حياته فواجب أن يخرجا
أو قال إن كان جنينها ذكر طلقها والضعف للأنثى استقر
فيدفن المولود قبل العلم بحاله هذا تمام النظم
والحمد لله وصلى دائما على النبي أحمد وسلما
والآل والصحب جميعا ما همى غيث ولاح البرق في جو السما
الشاهد الرابع عشر
ذكر ابن الأزرق قصة الصعب بن جثامة وعوف بن مالك ووصيته له في المنام. وقال: إسناده حسن رجاله رجال مسلم , شهر بن حوشب تكلم فيه بعضهم بما لا يوجب جرحه وهو صدوق من رجال مسلم
قلت: شهر مختلف فيه كما قال ابن الأزرق. ولو سلمنا بثقته, فأين الإسناد إليه من أحد المصنفين. وسوف تعلم بعد قليل أن ما سماه من مصادره لا يوجد فيه ذكر الوصية. فليس له من معتمد فيها إلا نقله عن ابن القيم, ولا يكفيه.
قال في الهامش: أخرج بعضه البخاري في الصغير عن شيخه موسى بن إسماعيل
قلت: هذا تدليس , فليس في رواية البخاري ذكر للوصية وهذا نص ما في الرواية: عن شهر بن حوشب قال: (آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين عوف بن مالك والصعب بن جثامة فمات صعب, قال عوف: فرأيته فيما يرى النائم قال: غفر لنا بعد أيهات). اهـ
قال: وقد أخرجه البيهقي عن ثابت البناني وهو من كبار التابعين فلعله سمعه من شهر مرة ومن الصحابة أخرى فكان أحيانا يذكر شهرا وحينا لا يفعل فيكون متابعا قويا له.
قلت: هذا كذب فليس في رواية البيهقي ذكر للوصية أيضا. ونص ما فيها: (فقال أحدهما لصاحبه: إن مت قبلك يا أخي فتراء لي قال فمات صعب قبله فتراء له عوف فرآه فقال كيف أنت يا أخي قال بخير ما صنعت قال غفر لنا يوم دعونا عند حانوت فلان ولم يكن في أهلي مصيبة إلا لحقني أجرها حتى هرة لنا ماتت منذ ثلاثة أيام).اهـ فلا حول ولا قوة إلا بالله.
¥