قلت: إن كان يقصد ابن الأزرق الاحتجاج بهذا على جواز التصحيح والتضعيف بالرؤى والكشف فقد كشف عن مستوى عقله إن كان عنده. وقد رجعت إلى شرح النووي على مسلم فوجدت له كلاما كأنه الذهب السبيك, فأحببت نقله هنا نصيحة, وليعلم القارئ من هو ابن الأزرق.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم , عند شرح هذا الخبر من مقدمة الصحيح: (قال القاضي عياض رحمه الله: هذا ومثله استئناس واستظهار على ما تقرر من ضعف أبان, لا أنه يقطع بأمر المنام, ولا أنه تبطل بسببه سنة ثبتت, ولا تثبت به سنة لم تثبت, وهذا بإجماع العلماء اهـ هذا كلام القاضي, وكذا قاله غيره من أصحابنا وغيرهم, فنقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع, وليس هذا الذي ذكرناه مخالفا لقوله صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني) , فإن معنى الحديث أن رؤيته صحيحة, وليست من أضغاث الأحلام, وتلبيس الشيطان, ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي به, لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي, وقد اتفقوا على أن من شرط من تقبل روايته وشهادته أن يكون متيقظا, لا مغفلا ولا سيء الحفظ, ولا كثير الخطأ ولا مختل الضبط, والنائم ليس بهذه الصفة, فلم تقبل روايته لاختلال ضبطه, هذا كله في منام يتعلق بإثبات حكم على خلاف ما يحكم به الولاة, أما إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه أو يرشده إلى فعل مصلحة فلا خلاف في استحباب العمل على وفقه لأن ذلك ليس حكما بمجرد المنام بل تقرر من أصل ذلك الشيء والله أعلم) اهـ. وليس لي من تعليق سوى إنصافك أيها القارئ الكريم.
وأنبه القارئ إلى أني آثرت ترك الرد على المنامات الأخرى لأنه لا حجة في عملهم , على أن كثيرا منهم لم يخالف شرعا. واقتصرت على هؤلاء الخمسة.
فائدة
في الدرر الكامنة للحافظ ابن حجر رحمه الله (4/ 268) من ترجمة الفقيه فرج بن عبد الله المغربي الصفدي الشافعي العثماني قاضي صفد حكى أنه توجه لزيارته الشيخ تاج الدين المقدسي فجرت مسألة النظر إلى الأمرد, وأن الرافعي يحرم بشرط الشهوة, والنووي يقول: يحرم مطلقا. فقال الشيخ فرج:رأيت النبي في المنام , فقال لي: الحق في هذه المسألة مع النووي. فصاح الشيخ تاج الدين وقال: صار الفقه بالمنامات!.فخضع الشيخ فرج وقال: أستغفر الله, أنا حكيت ما رأيت.
الخاتمة
قال: عليك أن تجيب على هذه الأسئلة بعد طرح الهوى والتزام التقوى.
أولا: هل تفيد الأحاديث المعروضة في الدليل الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفيد الأحكام من مناماته ومنامات أصحابه أم لا.
قلت: نعم, وانتبه أيها القارئ إلى قوله: (يستفيد الأحكام).
إذا كان الجواب (نعم) فهل يصح الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أم لا علما أنه لم يرد ما يدل على أن العمل بالرؤى خاص بالمعصوم
قلت: ـ انتبه أيها القارئ لقوله سابقا (يستفيد الأحكام!!) ـ لا يصح الاقتداء بالنبيصلى الله عليه وسلم في العمل بالرؤى في الأحكام مطلقة. وقوله: لم يرد ما يدل على أن العمل بالرؤى خاص بالمعصوم مجازفة, فهل قرأ ابن الأزرق كل كتب العلم, أم عنده استقراء تام لكل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من السنن والأحاديث؟! والنافي ليس معه إلا الجهل بوجود دليل. وحديث ابن عباس: (رؤيا الأنبياء وحي) وما ذكرناه في فصل عمل النبي بالرؤى شاهد.
ثانيا: لست تشك أن أخبار الصحابة المذكورة في الدليل الثالث صريحة في أنهم كانوا يعملون برؤاهم, فهل يدل على أن العمل بالمنامات الصالحة خاصا بالرسل أم لا؟ ومن الأعلم ...
ما نقله ابن الأزرق عنهم فيه الضعيف من حيث الثبوت, والضعيف من حيث دلالته على مقصوده. وقد مر بيان ذلك.
ثالثا: ألا يدل عمل عشرات الأئمة برؤاهم على أن المنكرين يهرفون بما لا يعرفون عندما يزعمون أن الاسترشاد بالمبشرات أمر أنكره العلماء وحاربوه.
قلت: ليس في قول أو فعل أحد حجة على أحد. ولا تؤسس الأحكام على ذلك, فكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا النبي المعصوم.
وهذا آخره ما سطرته كشفا لحقيقة دلائل ابن الأزرق الذي يعتبر نفسه حامي حمى جماعته, وتبين لي بعد قراءة رسالتين من رسائله أنه إن كان ابن الأزرق بهذا المستوى الهزيل فكيف بباقي أفراد جماعته. وأسأل الله تعالى أن يرينا الحق ويرزقنا اتباعا ويفضح الباطل ويرزقنا اجتنابه والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى الآل والصحب أجمعين.
تنبيه: هذه محاولة متواضعة, قصدي من وضعها في الملتقى أن يخلص الإخوان في نصحها وتصحيح ما فيها من خطأ , وأنا شاكر جدا لكل من نبهني على خطأ وجزاكم الله خيرا. وبريدي الإلكتروني في انتظار مساهماتكم.
كتبه أبو عبد الله طارق بن عبد الرحمن الحمودي التطواني.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[27 - 08 - 06, 03:51 ص]ـ
ماشاء الله، بارك الله فيك وأحسن إليك.
¥