تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واعلم أن الغرض من هذا البحث ليس إثبات صحة الحديث فهو صحيح بلا ريب، وإنما الغرض نفي الامتناع، أي امتناع حصول سجود الشمس واستئذانها مع كون الناس لا يستنكرون من أمر سيرها وجريها شيئا. أما من يرمي جاهداً إلى إثبات الامتناع فيلزمه – قبل أن يمشي خطوة واحدة - الإحاطة بحقائق ثلاث أمور عليها يدور معنى الحديث فإذا أحاط بحقائقها وتيقن من ذلك حق اليقين فليأتنا بالدليل القاطع على ما حصلّه من علم (وما أظنه قادر على ذلك) وهذه الحقائق هي:

1 - حقيقة العرش.

2 - حقيقة حركة الشمس.

3 - حقيقة سجود الشمس.

أولاً: حقيقة العرش: فالذي يمكن قوله هنا هو أن نقص الإحاطة بحقائق هذه الثلاث مؤثر ولا بد في مقدار الفهم و طريقة الإدراك، فما بالك إذا كان المرء يجهل أكثر حقيقتها وعلى رأس هذه الأشياء حقيقة العرش الذي لا يعلم حقيقة كيفيته و هيئته و حجمه وصفته إلا الله وحده. وليس لنا أن نتكلف للعرش من الأوصاف ما لم يجيء بها القرآن والسنة. فنؤمن بأنه عظيم القدر حجماً و وزناً. أما عظم حجمه فقد جاء في الحديث (ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، و فضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة) السلسلة الصحيحة رقم:109، وأما عظم وزنه فقد جاء عند مسلم من حديث جويرية بنت الحارث (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وكانت تسبح بالحصى من صلاة الصبح إلى وقت الضحى فقال: لقد قلت بهدك أربع كلمات لو وزنت بما قلتيه لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله رضى نفسه). قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في الرسالة العرشية (فهذا يبين أن زنة العرش أثقل الأوزان).

وللعرش قوائم ففي الصحيحين عن أبي سعيد قال (جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه؛ فقال: يا محمد رجل من أصحابك لطم وجهي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم ادعوه فدعوه فقال: لم لطمت وجهه؟ فقال: يا رسول الله إني مررت بالسوق وهو يقول: والذي اصطفى موسى على البشر فقلت: يا خبيث وعلى محمد؟ فأخذتني غضبة فلطمته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تخيروا بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذا بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقته).

قال شيخ الاسلام ابن تيمية (فهذا فيه بيان أن للعرش قوائم). أما إذا شغبنا بطلب الإيغال في معرفة حقيقة حجم العرش وحقيقة قوائمه وسائر أحواله وصفاته فهذا مما لا علم لنا به، و هو الحد الفاصل الذي يستوي عنده العالم والجاهل ع فيبقى الكل عاجزاً حسيراً عن تصور ماهيته ومعرفة أصل حقيقته، والخوض في حقيقة ذلك تكلف منهي عنه ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال (فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم و اختلافهم على أنبيائهم)

ثانياً: حقيقة حركة الشمس: وكذا حقيقة حركة الشمس. فالحديث صريح في أن الشمس هي التي تتحرك وأنها غير ثابتة ولا يقولن مسلم: لكن الحق الذي لا مرية فيه أن الشمس ثابتة لأن هذا غير ثابت بطريق القطع الحسي كما سنرى ولا يوجد إجماع كامل من كل العلماء على ذلك بل يوجد فريق كبير من العلماء المعاصرين على خلاف هذا الرأي كما سيتبين لاحقاً. وأنبه هنا على أني لست بصدد بعث استنهاض النقاش حول ثبوت دوران الشمس من عدمها أو دوران الأرض من عدمها وإنما القصد الأهم عندي هو التأكيد على أن هذه النظريات ليست محل اتفاق كلي أبدي سرمدي وأن حقيقة حركة الشمس أمر لم يحسم حسماً تاماً كما سيظهر إن شاء الله. أعود فأقول لم يطبق على أمر ثبات الشمس كل علماء الفلك والفيزياء ولم يتفقوا عن بكرة أبيهم على ضد ذلك وإن اتفق أكثر الناس لشهرة المعلومة لا لثبوتها لديهم من طريق حسي يقيني. لم يقل أحد من العلماء المعتبرين أن القول بثبات الشمس يستند إلى شاهدٍ قطعي من الواقع الملموس. غاية ما هنالك أن هذا النموذج الذي يسمونه النموذج الشمسي ( heliocentric) والذي وضعه كوبرنيكس استحسنه وفضله العلماء لأنه أنسب من جهة الحساب في تفسير دوران الكواكب وحركة الأجرام. وقد نص كثير من كبار علمائهم مثل "فرد هويلي" و "بول ديفس" و "برتراند رسل" على احتمالية هذه المسألة وخضوعها لمبدأ النسبية أكثر من كونها نظرية أضحت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير