هذا وقد تعقب الحافظ في (لسان الميزان)،على الإمام الذهبي في ذكره لتراجم بعض الصحابة،مخالفاً بذلك ما شرطه في عدم ذكرهم، ففي ترجمة (الأغر الغِفاري) قال الذهبي: «الأغر الغفاري، تابعي. قال ابن منده: فيه نظر» ().
قال الحافظ متعقباً: «وهذا صحابي، ذكره البغوي والطبراني وابن منده وغيرهم في الصحابة،… وأظن قول ابن منده: فيه نظر، من أجل الاختلاف في تسميته وفي نسبته، ولم يقل إنه تابعي بل هي من عند الذهبي؟ ولو تدبر سياق حديثه، لجزم بأنه صحابي،وقد اشترط أنه لا يذكر الصحابة، فذهل في ذكر هذا،و الله أعلم ()».
وفي ترجمة الحكم بن عُمَير قال الذهبي:
«الحكم بن عُمَير، عن النبي صلى الله عليه وسلم، جاء في أحاديث منكرة، لا صحبة له، قال أبو حاتم: ضعيف الحديث» ().
قال الحافظ متعقباً: «ما رأيت تضعيفه في كتاب ابن أبي حاتم، وقد سقت لفظه في ترجمة موسى بن أبي حبيب ثم إن الدارقطني قال: كان بدرياً، وكذا ذكره في الصحابة أبو منصور الباوردي،و ابن عبد البر، وابن منده، وأبو نعيم. ووصفه بالصحبة الترمذي، وابن أبي حاتم، والبَرقي، والعسكري، وخليفة، والطبري، والطبراني، والبغوي، وابن قانع، وابن حبان، والخطيب.
وقد شرط المؤلف أن لا يذكر صحابياً، فناقض شرطه، فإن الآفة في نكارة الأحاديث المذكورة من الراوي عنه» ().
ومن نظر في (لسان الميزان) وجد أمثلة أخرى ().
ثانياً: تعقبه على الإمام ابن حزم في غلوه الزائد في جرح الحافظ أبو الحسين عبدالباقي بن قانع.
قال الإمام الذهبي: «عبد الباقي بن قانع، أبو الحسين الحافظ، قال الدارقطني:كان يحفظ لكنه يخطئ ويُصِر،وقال البرقاني: هو عندي ضعيف، ورأيت البغداديين يوثقونه، وقال أبو الحسن بن الفُرات: حدث به اختلاط قبل موته بسنتين، وقال الخطيب: لا أدري لماذا ضعفه البرقاني؟ فقد كان ابن قانع من أهل العلم والدراية، ورأيت عامة شيوخنا يوثقونه، وقد تغير في آخر عمره، مات سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة» ().
قال الشيخ سليمان: «قال ابن حزم في حديث أبي هريرة:
«الحج جهاد والعمرة تطوع»: «إنه كذب بحت، من بلايا عبد الباقي ابن قانع التي انفرد بها» ().
قلت: هذا غلو زائد منه، و ابن قانع، وإن ضُعِّف، فلا يصل إلى هذا الحد، وقد اعترض صاحب الإمام عليه، بأن ابن قانع من كبار الحفاظ، أكثر عنه الدارقطني ()، وهذا الرد ليس بشيء، فيما هو قد تَكلَّم فيه، وقال في حديث آخر، إنه: «اختلط عقله قبل موته بسنة، وهو منكر الحديث، وتركه أصحاب الحديث جملة ()».
قلت: وهذا أيضاً غلو زائد من أبي محمد، فإنه رحمه الله كثيراً ما يُضعِّف الثقات بغير دليل» ().
قلت: أسرف ابن حزم كعادته، في رمي بعض الرواة بالترك والسقوط، وهم في حقيقة الحال ضعفاء، ولا يصل بهم الحد إلى الترك، ومن ذلك الحافظ عبد الباقي بن قانع، فقد أسرف ابن حزم في رميه بالترك،وهذا في مواطن كثيرة في كتابه (المحلى)، فقال كما نقله الشيخ سليمان: «اختلط عقله قبل موته بسنة، وهو بالجملة منكر الحديث، وتركه أصحاب الحديث جملة» ().
وقال في موضع: «أطبق أصحاب الحديث على تركه، وهو راوي كل بلية وكذبة» () وقال في موضع: «راوي كل كذبة، المنفرد بكل طامة، وليس بحجة لأنه تغير بآخره ()» وقال في موضع: «راوي كل بلية، وترك حديثه بآخره، لا شيء ()» وقال في موضع وهو يتكلم عن ابن شعبان محمد بن القاسم: «وابن شعبان في المالكيين نظير عبدالباقي بن قانع في الحنفيين، قد تأملنا حديثهما فوجدنا فيه البلاء البين والكذب البحت، والوضع اللائح، وعظيم الفضائح، فإما تغير حفظهما، أو اختلطت كتبهما، وإما تعمدا الرواية عن كل من لا خير فيه من كذاب، ومغفل يقبل التلقين، وإما الثالثة وهي ثالثة الأَثافي أن يكون البلاء من قبلهما، ونسأل الله العافية» ().
وهذا كله كما ذكره الشيخ سليمان من ابن حزم إسراف وغلو زائد، وابن قانع وإن ضُعِّف فلا يصل إلى هذا الحد، وابن حزم كثيراً ما يشذ ويغلو في حكمه على الرواة. وقد تقدم بيان ذلك ().
وقول الشيخ بعد نقله لاعتراض ابن دقيق العيد على ابن حزم:
«وهذا الرد ليس بشيء فيما هو قد تَكلَّم فيه».
¥