قلت: أسرف ابن حزم كعادته، في رمي بعض الرواة بالترك والسقوط، وهم في حقيقة الحال ضعفاء، ولا يصل بهم الحد إلى الترك، ومن ذلك الحافظ عبد الباقي بن قانع، فقد أسرف ابن حزم في رميه بالترك،وهذا في مواطن كثيرة في كتابه (المحلى)، فقال كما نقله الشيخ سليمان: «اختلط عقله قبل موته بسنة، وهو بالجملة منكر الحديث، وتركه أصحاب الحديث جملة» ().
وقال في موضع: «أطبق أصحاب الحديث على تركه، وهو راوي كل بلية وكذبة» () وقال في موضع: «راوي كل كذبة، المنفرد بكل طامة، وليس بحجة لأنه تغير بآخره ()» وقال في موضع: «راوي كل بلية، وترك حديثه بآخره، لا شيء ()» وقال في موضع وهو يتكلم عن ابن شعبان محمد بن القاسم: «وابن شعبان في المالكيين نظير عبدالباقي بن قانع في الحنفيين، قد تأملنا حديثهما فوجدنا فيه البلاء البين والكذب البحت، والوضع اللائح، وعظيم الفضائح، فإما تغير حفظهما، أو اختلطت كتبهما، وإما تعمدا الرواية عن كل من لا خير فيه من كذاب، ومغفل يقبل التلقين، وإما الثالثة وهي ثالثة الأَثافي أن يكون البلاء من قبلهما، ونسأل الله العافية» ().
وهذا كله كما ذكره الشيخ سليمان من ابن حزم إسراف وغلو زائد، وابن قانع وإن ضُعِّف فلا يصل إلى هذا الحد، وابن حزم كثيراً ما يشذ ويغلو في حكمه على الرواة. وقد تقدم بيان ذلك ().
وقول الشيخ بعد نقله لاعتراض ابن دقيق العيد على ابن حزم:
«وهذا الرد ليس بشيء فيما هو قد تَكلَّم فيه».
أي أن رد الإمام ابن دقيق العيد، ليس بذاك الرد القوي المُفصَّل، أمام غلو ابن حزم الزائد في جرح ابن قانع،وحكمه على حديث أبي هريرة، أنه كذب بحت من بلايا عبد الباقي بن قانع.
وكون ابن قانع من كبار الحفاظ، وأكثر عنه الدارقطني، هذا الأمر يشترك فيه بعض الرواة ولا يلزم منه أن يكون من أهل الضبط والثقة.
هذا وقد اختلف في عبد الباقي بن قانع، قال الحافظ متعقباً قول ابن حزم: «تركه أصحاب الحديث جملة».
«قلت: ما أعلم أحداً تركه، وإنما صح أنه اختلط فتجنبوه» () وقول الحافظ يؤيد قول الشيخ سليمان في تعقبه على ابن حزم:
«وابن قانع وإن ضُعف فلا يصل إلى هذا الحد».
وقال حمزة السهمي: «سألت أبا بكر بن عبدان، عن ابن قانع فقال: لا يدخل في الصحيح» ().
وقال الحافظ: «قال ابن فتحون في «ذيل الاستيعاب»: لم أر أحداً ممن يُنسب إلى الحفظ، أكثر أوهاماً منه، ولا أظلم أسانيد، ولا أنكر متوناً، وعلى ذلك فقد روى عنه الجلِةَّ، ووصفوه بالحفظ، منهم أبو الحسن الدارقطني فمن دونه ()» وقال البرقاني: «في حديثه نكرة» (). وقال أيضاً: «هو عندي ضعيف، ورأيت البغداديين يوثقونه» (). وقال الخطيب: «لا أدري لماذا ضعفه البرقاني؟ فقد كان ابن قانع من أهل العلم والدراية،ورأيت عامة شيوخنا يوثقونه، وقد تغير في آخر عمره» ().
قلت: والراجح أن ابن قانع ضعيف لاختلاطه،وكونه يخطئ ويُصر على الخطأ، ولا يصل إلى حد الترك.
وكأن الشيخ سليمان يميل إلى تضعيفه دون ترك حديثه.
ثالثاً: تعقبه على بعض الشيعة الغلاة في طعنه على الإمام الذهبي بأنه يتعمد في (الميزان) تضعيف ما ورد في فضائل علي رضي الله عنه، وتصحيح ما ورد في فضائل غيره.
قال الإمام الذهبي: «عَبَّاد بن سعيد الجُعفِي، قال: حدثنا محمد ابن عثمان بن بهلول، حدثنا صالح بن أبي الأسود، عن ابي المطهر، عن الأعشى الثقفي، عن سَلاَّم الجُعفي، عن أبي برزة مرفوعاً:
«إن الله عهد إليَّ في علي أنه راية الهدى وإمام أوليائي،وهو الكلمة التي ألزمها المتقين، من أحبه أحبني» فهذا باطل، والسند إليه ظلمات» ().
قال الشيعي الغالي متعقباً: «لو ورد في غير علي كرم الله وجهه، لقال صحيح والراوي ثقة، نعوذ بالله من الهوى الذي أضلك وأغوى» ().
قال الشيخ سليمان متعقباً على الشيعي الغالي:
¥