وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير صَفَّية، فقد روى لها مسلم وحده.
3 – أورد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب حديثاً في كتاب (التوحيد) باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب فقال: (عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال موسى: يا رب، علِّمني شيئاً أذكرك وأدعوك به. قال: يا موسى: لا إله إلا الله. قال: كل عِبادك يقولون هذا. قال يا موسى، لو أنَّ السموات السَّبع وعَامِرُهُنَّ غيري، والأَرَضِيْنَ السَّبع في كِفة، ولا إله إلا الله في كِفة، مالت بِهنَّ لا إله إلا الله» رواه ابن حبان،والحاكم وصححه).
قال الشيخ سليمان بن عبد الله: (قوله: «كل عِبادك يقولون هذا» هكذا ثبت بخط المصنف: (يقولون) بالجمع؛ مراعاة لمعنى (كُل) والذي في الأُصول: (يقولُ) بالإفراد؛ مراعاة للفظها دون معناها، لكن قد روى الإمام أحمد، عن عبد الله بن عمرو، هذا الحديث بهذا اللفظ الذي ذكره المصنف أطول منه) ().
قلت: حديث أبي سعيد الخدري، رواه أبو يعلى ()، والنسائي ()، والطبراني ()، وابن حبان ()، والحاكم ()، والبغوي ()، من طريق دَرَّاج أَبي السَّمْح، عن أبي الهيثم سليمان بن عمرو العَتْوَارِي، عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً. وبلفظ (كل عِبادَكَ يقول هذا) ولم أر بعد التتبع من أخرج الحديث بلفظ (كل عبادك يقولون هذا) بالجمع، مراعاة لمعنى (كل) إِلا الحافظ ابن رجب في بعض كتبه ().
فظهر بهذا صحة ما ذكره الشيخ سليمان في تعقبه على شيخ الإسلام بقوله: (والذي في الأُصول: (يقول) بالإِفراد مراعاة للفظها دون معناها).
وهذا يدل على دقة نظر الشيخ سليمان في أَلفاظ الحديث ومقابلتها بما في الأصول التي عُزِيَ الحديث إليها.
وقد فات الشيخ عثمان بن منصور في شرحه لكتاب التوحيد أن ينبه على ذلك ().
أما قول الشيخ سليمان: (لكن قد روى الإمام أحمد، عن عبد الله بن عمرو.
هذا الحديث بهذا اللفظ الذي ذكره المصنف أطول منه) و في نقل الشيخ عبد الرحمن بن حسن، عن الشيخ سليمان، جاءت العبارة هكذا: (وهو في المسند من حديث عبد الله بن عمرو، بلفظ الجمع، كما ذكره المصنف على معنى كل) ().
قلت: وهم الشيخ سليمان رحمه الله في نسبة الحديث لعبد الله بن عمرو وأنه في (مسند أحمد) وقد تبع في ذلك الحافظ ابن رجب، حيث عزاه الحافظ ابن رجب في بعض كتبه لمسند أحمد، عن عبد الله بن عمرو ()، وكل هذا وهم منهما، فالحديث ليس في (المسند) ولا هو من حديث عبد الله بن عمرو، بل هو من حديث أبي سعيد الخدري.
ولعل السبب في وهم الحافظ ابن رجب، هو ورود شاهد في (مسند أحمد) عن عبد الله بن عمرو، يشهد لمعنى حديث أبي سعيد، فلعل الحافظ ابن رجب ظنَّ أن عبد الله بن عمرو رواه بمثل لفظ أبي سعيد الخدري. وسيأتي ذكر هذا الشاهد.
وحديث أبي سعيد الخدري إسناده ضعيف، فيه دَرَّاج أبو السَّمْح، (قال النسائي: ليس بالقوي، وقال في موضع: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: في حديثه ضعف، وقال الدارقطني: ضعيف) نقله الحافظ ابن حجر ()، وقد حكى ابن عدي، عن أحمد بن حنبل قال: (أحاديث دَرَّاج، عن أبي الهَيثم، عن أبي سعيد فيها ضعف) () وهكذا قال أبو داود ().
وقد صحح بعض الأَئمة إسناده، قال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد) ()، وقال الحافظ ابن حجر (سنده صحيح) () وقال الذهبي: (صحيح) () وللحديث شواهد كثيرة، منها حديث عبد الله بن عمرو، وقد أخرجه أحمد ()، والبخاري ()، والحاكم ()، من طريق الصَّقْعَب بن زُهير، عن زيد بن أَسْلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ نبي الله نوحاً صلى الله عليه وسلم، لما حضرته الوفاة قال لابنه: «إني قَاصٌّ عليك الوصية: آمُرك باثنتين، وأَنهاك عن اثنتين، آمرك بـ «لا إله إلا الله»، فإن السماوات السَّبع، والأَرضِينَ السَّبع، لو وضعت في كِفَّة، ووضعت «لا إله إلا الله» في كِفَّة، رجحت بِهِنَّ «لا إله إلا الله» الحديث مختصراً.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وقال الذهبي: صحيح الإسناد () وقال الحافظ ابن كثير: وإسناده صحيح ولم يخرجوه ()، وصححه الألباني ()، وله شاهد أيضاً من حديث عبد الله بن عمرو، وهو المعروف
¥