قال الشيخ سليمان بن عبد الله: (هذا الحديث أورده المصنف بهذا اللفظ معزواً «للصحيحين» ولعله نقله عن غيره، ولفظهما والسياق لمسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعُنَّ سَنَنَ من كان قبلكم شبراً بشبرٍ، وذراعاً بذراعٍ، حتى لو دَخلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لا تَّبعتُموهُم» قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال «فَمَنْ» ()؟ ويحتمل أن يكون مروياً عند غيرهما باللفظ الذي ذكره المصنف، وأراد أصله لا لفظه) ().
في هذا المثال نرى أنَّ الشيخ سليمان تعقب على شيخ الإسلام بأن لفظ حديث أبي سعيد الخدري الذي أورده معزواً للصحيحين، ليس هو بهذا اللفظ في (الصحيحين) بل هو بلفظ آخر، وللدلالة على ذلك أورد الشيخ سليمان لفظهما بتمامه والسِّياق لمسلم، وهذا هو الصحيح، وإن كان ما أورده شيخ الإسلام هو بنحوه في (الصحيحين)، لكن لما كان من منهج الشيخ الدقة التامة في تخريج الأَحاديث، ومراعاته لهذه الألفاظ هل أُخرجت من مصادرها التي عُزِيَت إليها بلفظها، أو بنحوها، أو فيها اختلاف، تَعقب على شيخ الإسلام بما تَعقب به، وقد فات الشيخ عثمان بن منصور في شرحه لكتاب التوحيد أن ينبه على ذلك ().
هذا وقد اعتذر الشيخ سيلمان لشيخ الإسلام فقال: (لعله نقله من غيره) وهذا هو الأقرب، بل هو الصحيح؛ وذلك أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أورد هذا الحديث بل وكرره في أكثر كتبه، بمثل ما ذكره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وهذا لفظ الحديث الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، قال رحمه الله: (في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لتَتَبِعُنّ سَنَنَ من كان قبلكم حذو القُذَّةِ بالقُذَّة، حتى لو دَخلُوا جُحرَ ضبٍّ لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فَمَنْ» ().
ولعل شيخي الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، أرادا أن أصل الحديث ومعناه في الصحيحين لا أنه بلفظه، وهذه طريقة بعض أهل العلم في بعض مصنفاتهم، وقد تقدم بيان هذه المسألة وتفصيلها في المثال الأَول.
وقد أورد هذا اللفظ بتمامه القاضي ابن أبي العز الحَنفي ()، وعزاه للصحيح، وأيضاً أورده الحافظ ابن كثير، إلا أنه بدل أن يقول: (لتَتَبِعُنَّ سَنَنَ) قال (لتَركَبُنَّ سَنَنَ) () ولعلهما أرادا أَصل الحديث لا لفظه.
إن اعتذار الشيخ سليمان لشيخ الإسلام في هذا الحديث بقوله: (لعله نقله من غيره) يدل دلالة واضحة على ما يتحلى به الشيخ سليمان، من المنهجية والتأصيل في طرق التعامل مع كتب أهل العلم وما ينقلونه، فالشيخ لم يتسرع في إيقاع الوهم والخطأ، ونسبته لشيخ الإسلام، بل اعتذر له، وكان اعتذاره في محله، حيث تبين لنا أن شيخ الإسلام نقل هذا اللفظ من شيخ الإسلام ابن تيمية. وأما قول الشيخ سليمان: (ويُحتمل أن يكون مروياً عند غيرهما، باللفظ الذي ذكره المصنف).
قلت: بعد البحث والتقصي، وحسب ما اطلعت عليه من كتب الحديث، لم أجد أحداً خَرَّج هذا اللفظ الذي ذكره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، والذي نقله من شيخ الإسلام ابن تيمية، مع أن الحديث أخرجه أكثر الأئمة وبألفاظ متغايرة.
وأما لفظ (حَذو القُذَّةِ بالقُذَّة) فقد أخرجه أحمد ()، وأبو القاسم البغوي ()،والطبراني ()، من طريق عبد الحميد بن بَهْرَام، عن شَهر بن حَوشب، عن عبد الرحمن بن غُنْم، عن شدَّاد بن أوَس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْحِملَنَّ شِرارُ هذه الأُمة، على سَنَنِ الذين خَلوا من قبَلِهم، أَهلَ الكتابِ حَذْوَ القُذَّة بالقُذَّة».
وإسناده حسن، من أجل شهر بن حوشب، فقد اختلف فيه، والأقرب أنه صدوق كثير الإرسال والأوهام، كما ذكره الحافظ ابن حجر ()، وباقي رجاله ثقات، ويشهد له حديث أبي سعيد الخدري الذي في الصحيحين.
6 – أورد شيخ الإسلام حديثاً في كتاب التوحيد، باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثاناً تعبد من دون الله فقال: (عن ابن عباس قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زَائراتِ القُبُورِ، والمتَّخِذينَ عليها المسَاجِدَ والسُّرَج» رواه أهل السنن).
قال الشيخ سيلمان بن عبد الله: (قوله: رواه أهل «السنن» يعني هنا أبا داود، وابن ماجه، والترمذي فقط، ولم يروه النسائي) ().
¥