[دراسات تجديدية في أصول الحديث: تعارض الاتصال والانقطاع]
ـ[ماهر]ــــــــ[07 - 09 - 06, 09:27 م]ـ
تعارض الاتصال والانقطاع
الاتصال شرط أساسيٌّ لصحة الحديث النبوي، وعلى هذا فالمنقطع ضعيف لفقده شرطاً أساسياً من شروط الصحة، وقد أولى المحدثون عنايتهم في البحث والتنقير في الأحاديث من أجل البحث عن توافر هذا الشرط من عدمه؛ وذلك لما له من أهمية بالغة في التصحيح والتضعيف والتعليل. ونحن نعلم يقيناً أن ليس كل ما ورد فيه التصريح بالسماع فهو متصل؛ إذ قَدْ يقع الخطأ في ذلك فيصرح بالسماع في غير ما حديث، ثم يكشف الأئمة النقاد بأن هذا التصريح خطأ، أو أن ما ظاهره متصل منقطع، وهذا ليس لكل أحد إنما هو لأولئك الرجال الذين أفنوا أعمارهم شموعاً أضاءت لنا الطريق من أجل معرفة الصحيح المتصل من الضعيف المنقطع.
إذن فليس كل ما ظاهره الاتصال متصلاً، فقد يكون السند معللاً بالانقطاع.
وعليه فقد يأتي الحديث مرة بسند ظاهره الاتصال، ويُروى بسند آخر ظاهره الانقطاع، فيرجح تارة الانقطاع وأخرى الاتصال، ويجري فيه الخلاف كما في زيادة الثقة. وأمثلة ذلك كثيرة.
منها: ما رواه أحمد بن منيع 1، قال: حدثنا كثير بن هشام 2، قال: حدثنا جعفر بن برقان3، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: كنت أنا
وحفصة4 صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرتني إليه حفصة، وكانت ابنة أبيها، فقالت: يا رسول الله، إنا كنا صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه، قال: ((اقضيا يوماً آخر مكانه)).
أخرجه الترمذي 5، والبغوي 6، وأخرجه غيرهما من طريق جعفر 7.
هكذا روى هذا الحديث جعفر بن برقان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، متصلاً.
وقد توبع على روايته، تابعه سبعة من أصحاب الزهري على هذه الرواية وهم:
1. صالح بن أبي الأخضر 8، وهو ضعيف يعتبر به عند المتابعة 9.
2. سفيان بن حسين 10، وهو ثقة في غير الزهري باتفاق العلماء 11.
3. صالح بن كيسان12، وهو ثقة 13.
4. إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة 14، وهو ثقة 15.
5. حجاج بن أرطأة 16، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس 17.
6. عبد الله بن عمر العمري 18، وهو ضعيف 19.
7. يحيى بن سعيد 20.
فهؤلاء منهم الثقة، ومنهم من يصلح حديثه للمتابعة، قَدْ رووا الحديث أجمعهم، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، متصلاً، إلا أنه قَدْ تبين بعد التفتيش والتمحيص والنظر أن رواية الاتصال خطأ، والصواب: أنّه منقطع بين الزهري وعائشة، وذكر عروة في الإسناد خطأ.
لذا قال الإمام النسائي عن الرواية الموصولة: ((هذا خطأ)) 21، وقد فسّر المزي مقصد النسائي فقال: ((يعني أن الصواب حديث الزهري، عن عائشة وحفصة
مرسل)) 22.
وقد نص كذلك الترمذي على أن رواية الاتصال خطأ، والصواب أنه منقطع وذكر الدليل القاطع على ذلك، فقال: ((روي عن ابن جريج، قال: سألت الزهري، قلت له: أَحدَّثَكَ عروة، عن عائشة؟، قال: لم أسمع عن عروة في هذا شيئاً، ولكني سَمِعتُ في خلافة سليمان بن عبد الملك23 من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث)) 24.
ومن قبل سأل الترمذي شيخه البخاري فَقَالَ: ((سألت محمد بن إسماعيل
البخاري عن هذا الحديث، فقال: لا يصح حديث الزهري، عن عروة، عن
عائشة)) 25.
وحكم أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان بترجيح الرواية المنقطعة على الموصولة 26.
قلت: قَدْ رواه الثقات الأثبات من أصحاب الزهري منقطعاً، وهم ثمانية أنفس:
1. مالك بن أنس27، وهو ثقة إمام أشهر من أن يعرف.
2. معمر بن راشد 28، وهو ثقة ثبت فاضل 29.
3. عبيد الله بن عمر العمري 30، وهو ثقة ثبت 31.
4. يونس بن يزيد الأيلي 32، وهو ثقة أحد الأثبات33.
5. سفيان بن عيينة 34، وهو ثقة حافظ فقيه إمام حجة 35.
6. عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج 36، وهو ثقة 37.
7. محمد بن الوليد الزبيدي 38، وهو ثقة ثبت 39.
8. بكر بن وائل 40، وهو صدوق 41.
فهؤلاء جميعهم رووه عن الزهري، عن عائشة منقطعاً، وروايتهم هذه هي المحفوظة، وهي تخالف رواية من رواه متصلاً. وهذا يدلل أن المحدّثين ليس لهم في مثل هذا حكم مطرد، بل مرجع ذلك إلى القرائن والترجيحات المحيطة بالرواية.
¥