تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي ذلك ألف شيخ الإسلام كتاب (التوحيد) و (كشف الشبهات) وجرى على منواله في ذلك أئمة الدعوة، فألف شيخ الإسلام عبد الرحمن بن حسن ـ رحمه الله ـ (فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد) وألف ردوداً على بعض أعداء التوحيد كأمثال داود بن جرجيس وغيره.

وأما اهتمامهم البالغ بتدريس الفقه ونشره بين الناس، فسببه جهل الناس، في زمن أئمة الدعوة، بفقه العبادة وغيره من أحكام البيوع والفرائض، وخير شاهد على ذلك هو تأليف شيخ الإسلام لـ (آداب المشي إلى الصلاة) و (شروط الصلاة)، والمسائل الفقهية الكثيرة التي أجاب عنها أئمة الدعوة من خلال كتبهم ورسائلهم، ومن نظر في (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) عرف ذلك.

ولاهتمام أئمة الدعوة البالغ بالتوحيد والفقه، نرى ـ كما هو مشاهد ـ أنهم بلغوا درجة عالية في علمي التوحيد والفقه، حتى أصبحوا أهل اختصاص في هذين العلمين،ويشهد لهم بذلك من كان منصفاً.

وأما علم الحديث في منطقة نجد فلم يكن أئمة الدعوة ـ بدءاً من عصر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، إلى عهد قريب ـ لهم اهتمام بالحديث وعلومه؛ وذلك لانشغالهم بالتوحيد والفقه، وشدة حاجة الناس إليهما في تلك الفترة، ومصداقاً لهذا يقول شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين: «لا بد من تعب في إثبات ما يُنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثمَّ احتجنا إلى مصطلح الحديث وقواعده، وإلى مراجعة كتب العلماء فيما يتعلق بالمصطلح، وهو باب واسع مُتعب، ولقد كان الناس في برهة من الزمن طويلة لا يعتنون بهذا كثيراً، لأَنهم انهمكوا في تحرير المذاهب وتنقيحها والتفريع عليها…» ().

وعدم اهتمام أئمة الدعوة بعلم الحديث، وعدم بروز أَئمة منهم في هذا العلم لهم عناية بالجرح والتعديل، ومعرفة الرجال، وتعليل الأحاديث، كل هذا لا يعني أنهم لا يعرفون هذا العلم، بل لهم معرفة بهذا العلم وأُصوله، ولهم مشاركة فيه، إلا أنهم شغلوا عنه بما هو الأهم في زمنهم، وهو نشر التوحيد والفقه بين الناس.

ومما يدل على أنهم كانوا يعرفون أُصول هذا العلم وقد شاركوا فيه، هو ما يظهر في تطبيقاتهم العملية، في أجوبتهم لبعض المسائل وشرحهم للأحاديث، فقد تكلموا في بعض اصطلاحات المحدثين ومناهجهم، وتقويم بعض المؤلفات، وإليك نماذج من ذلك قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ت1242هـ): «المسند أقوى من المرسل؛ وذلك أن المسند ما اتصل سنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان السند كلهم ثقات، وليس فيهم شذوذ، فأجمع العلماء على الاحتجاج به إذا لم يعارضه مثله أو أقوى منه، وأما المرسل فهو ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم .. وكثير من أهل العلم لا يحتج بالمرسل، إلا إذا اتصل وأُسند من وجه صحيح» () وقال رحمه الله إجابة عن مسائل في المرجئة والقدرية: «المسألة الأولى وهي ما يذكر في الحديث:

«صنفان من أُمتي لا تنالهما شفاعتي يوم القيامة المرجئة والقدرية» () الخ كلام السائل، فنقول: إن الحديثين ليسا بثابتين عند أهل العلم وعند أهل الحديث، وليسا في الكتب الستة المعتمدة المسماة دواوين الإسلام، وإنما يذكر هذا بعض المصنفين الذين يروون الغث والسمين، ولا يميزون بين الصحيح والضعيف، والحسن والموضوع، فلا ينبغي للسائل رحمه الله تعالى أن يعبر بمثل هذه العبارة في مثل هذه الأحاديث وما شاكلها، وإنما ينبغي له أن يقول: يُذْكر في الحديث، أو يُروى في بعض الكتب، وأشباه هذه العبارات التي يفعلها أهل التحقيق والعرفان، من أهل الفقه والحديث و الإيمان؛ وذلك لأنه لا ينبغي أن يجزم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إلا فيما ثبت إسناده وصححه أهل العلم بهذا الشأن؛ لأنه ثبت في الأحاديث الصحيحة، من رواية جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد، من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» () ... فلهذا كان كثير من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، يهابون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والجزم به، إلا فيما ثبت عندهم وقطعوا عليه…» ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير