تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والذي يظهر أن يحيى بن سعيد لم يوثق قيساً، فلهذا استنكر أحاديثه لأنه لم يبلغ في نظره مبلغ من يُقبل تفرده، فليس إنكاره لحديث كلاب الحوأب وغيره بسبب تفرد الثقة، لأننا لا نسلم أن يحيى يرى قيس بن أبي حازم ثقة، وإن كان ثقة عند غيره، وكما يظهر من كلام يعقوب بن شيبة أن يحيى بن سعيد من الذين طعنوا في قيس ولم يقبلوه، ربما لكثرة تفرداته، ولكن من المؤكد أنه ليس بثقة عنده.

(النص الرابع): قال علي بن المديني: (قلت ليحيى بن سعيد: حَدَّث عبدالكريم - الجزري - عن عطاء في لحم البغل؟ فقال: قد سمعتُهُ، وأنكره يحيى، وأبى أن يحدثني به) [61].

وقال أبو داود: (عبدالكريم الجَزَري ... وهو ثقة، كان يحيى القطان يُنكر عليه حديث عطاء عن جابر (حديث البغال) [62].

والحديث المقصود رواه جمع من الرواة عن عبدالكريم عن عطاء عن جابر قال: (كنا نأكل لحوم الخيل. قلتُ: البغال؟ قال: لا) [63].

ويشهد له حديث حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر: (أنهم ذبحوا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير، ولم ينه عن الخيل) [64].

وعبدالكريم الجزري وثقه [65] الجمهور إلا أن يحيى بن معين قال: (أحاديث عبدالكريم عن عطاء رديئة) [66]، وقد أقره ابن عدي على ذلك [67].

وقال ابن حبان: (كان صدوقاً، ولكنه كان ينفرد عن الثقات بالأشياء المناكير، فلا يعجبني الاحتجاج بما انفرد بالأخبار، وإن اعتبر معتبر بما وافق الثقات من حديثه فلا ضير، وهو ممن أستخير الله فيه) [68].

فإنكار يحيى بن سعيد لحديث البغال الذي رواه عبدالكريم الجزري راجع لضعف حديثه عن عطاء فيما يبدو، ولأن عدداً من الرواة الثقات كعمرو بن دينار ومحمد بن علي بن الحسين وأبي الزبير رووا عن جابر رضي الله عنه حديث إباحة لحوم الخيل ولم يذكروا شيئاً عن البغال [69]، ولذلك كان تفرد عبدالكريم بالحديث السابق غير محتمل عند يحيى بن سعيد القطان.

(النص الخامس): سأل أبو عبدالله الحاكم الإمام الدارقطني عن أسامة بن زيد الليثي فقال: (قد كان يحيى القطان حَدَّث عنه، ثم تركه، وقال: إنه حَدَّث عن عطاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (منى كلها منحر)، فقال يحيى: اشهدوا عليَّ أني تركت حديثه) [70].

وقال الدارقطني أيضاً في سؤالات ابن بكير: (أسامة بن زيد الليثي، روى عنه الثوري، ليس بالقوي، حدث عنه يحيى القطان، وتركه لجهة حديث عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (عرفة كلها موقف) [71].

وروى يعقوب بن سفيان الفسوي حديث أسامة عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى، ثم جلس، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إني حلقت قبل أن أنحر؟ قال: (لا حرج)، ثم جاءه آخر فقال: حلقت قبل أن أرمي؟ قال: (لا حرج)، قال؛ فما سئل عن شيء إلا قال: لا حرج، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل عرفة موقف، وكل مزدلفة موقف، ومنى كلها منحر، وكل فجاج مكة طريق ومنحر) [72].

ثم قال الفسوي: (وكأن يحيى القطان أنكر هذا الحديث، فتكلم في أسامة لهذا الحديث، وأسامة عند أهل بلده بالمدينة ثقة مأمون، وكان يجب على يحيى غير ما قال، لأن قيس بن سعد قد روى بعض هذا عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم) [73] وأسامة تكلم فيه بعض النقاد كأحمد بن حنبل والنسائي وأبي حاتم الرازي وغيرهم [74]، وقال ابن حجر: (صدوق يهم) [75]، فالراجح أنه ليس بثقة فإنكار يحيى القطان لحديثه لأنه عنده في حكم من لا يحتمل له التفرد عن مثل عطاء بن أبي رباح في كثرة تلاميذه وملازمة العديد من كبار الثقات له.

وآخر الحديث محفوظ عن جابر من وجه آخر صححه مسلم [76]، وأما أوله إلى قوله فما سئل عن شيء إلا قال: (لا حرج)، فقد رواه قيس بن سعد عن عطاء به [77]، ورواه بعض الحفاظ عن عطاء عن ابن عباس [78] مرفوعاً، فلعل القطان تكلم فيه لذلك لما رأى أن أسامة لم يتابع على الحديث بتمامه عن عطاء.


[1] الكفاية (ص465).
[2] صحيح البخاري مع فتح الباري (13/ 244) وهذا النص استفدته من بحث "الصدوق" للدكتور التخيفي.
[3] فتح الباري (13/ 246).
[4] بحث "الصدوق ومن في مرتبته" (ص189) من مجلة البحوث الإسلامية عدد 47 صفر 1417هـ.
[5] صحيح البخاري (1)، وصحيح مسلم (1907) وجمهور الكتب المشهورة في السنة النبوية.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير