تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أقول: رِوَايَة عبيد الله الموقوفة أخرجها ابن أبي شيبة (164)، والبزار (165) في مسنده (166) من طريق عبيد الله بن عمر، عَنْ نافع، عَنْ ابن عمر، عَنْ عمر موقوفاً، وَهُوَ الصواب.

ومما يدل عَلَى عدم صحة حَدِيْث ابن أبي المخارق أن الحافظ ابن حجر قَالَ: ((وَلَمْ يثبت عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في النهي عَنْه شيء)) (167).

بَعْدَ هَذَا العرض السريع بان لنا واتضح أن التدليس سبب من أسباب الاختلاف لدى الْمُحَدِّثِيْنَ؛ إِذْ إنه قَدْ يسفر عَنْ سقوط رجلٍ من الإسناد فيخالف الرَّاوِي غيره من الرُّوَاة.

ثامناً. الانشغال عَنْ الْحَدِيْث:

الْحَدِيْث النبوي الشريف أحد المراجع الرئيسة للفقه الإسلامي، لذا كَانَ علم الْحَدِيْث رِوَايَة ودراية من أشرف العلوم وأجلها، بَلْ هُوَ أجلها عَلَى الإطلاق بَعْدَ العلم بالقرآن الكريم الَّذِيْ هُوَ أصل الدين ومنبع الطريق المستقيم، فالحديث هُوَ المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، بعضه يستقل بالتشريع، وكثيرٌ مِنْهُ شارح لكتاب الله تَعَالَى مبينٌ لما جاء فِيْهِ. قَالَ تعالى (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (168) من هَذَا أدرك المسلمون أهمية الْحَدِيْث النبوي الشريف فعانوا ما عانوا من أجل حفظ الْحَدِيْث النبوي الشريف، فتخلوا عَنْ كُلّ شيء أمام هَذَا الهدف العزيز الغالي، وَهُوَ حَدِيْث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ تَعَالَى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (169). وللحرص الشديد عَلَى حفظ السنة، اهتمَّ المسلمون بمذاكرة الْحَدِيْث ومدارسته من أجل حفظه وضبطه وإتقانه، فكان الْمُحَدِّثُوْنَ يكتبون بالنهار ويعارضون (170) بالليل ويحفظون بالنهار ويتذاكرون بالليل. وهكذا شأن الْمُحَدِّثِيْنَ، ومن لَمْ يَكُنْ كذلك فلا يسمى من أهل الْحَدِيْث، وأسند الإمام مُسْلِم في مقدمة صحيحه (171) عَنْ أبي الزناد (172) قَالَ: ((أدركت بالمدينة مئة، كلهم مأمونون ما يؤخذ عَنْهُمْ الْحَدِيْث يقال: ليس من أهله)) (173).

وَقَالَ مالك بن أنس (174): ((أدركت مشايخ بالمدينة أبناء سبعين وثمانين لا يؤخذ عَنْهُمْ، ويقدم ابن شهاب وَهُوَ دونهم في السن فتزدحم الناس عَلَيْهِ)) (175).

وهناك أمور جعلت عدداً من جهابذة الْمُحَدِّثِيْنَ لا يأخذون عَنْ عدد كبير من الرُّوَاة هي أن هؤلاء الرُّوَاة كانوا يتشاغلون عَنْ الْحَدِيْث. والتشاغل عَنْ الْحَدِيْث مدعاة لعدم ضبط الْحَدِيْث وعدم إتقانه وربما كَانَ مآل ذَلِكَ إلى دخول بعض الوهم والعلل والاختلافات؛ لأن المذاكرة والمراجعة يعينان عَلَى ضبط الْحَدِيْث وإتقانه. والانشغال في بعض الأمور ربما يحول دون المذاكرة والمراجعة مِمَّا يؤدي إلى عدم ضبط الروايات. ومن تِلْكَ الأمور:

أ. ولاية القضاء:

إنّ ولاية القضاء من الأمور الدينية المهمة، والمجتمع الإسلامي بحاجة لازمة إلى هَذَا المنصب قَالَ تَعَالَى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ) (176). ولمكانة هَذِهِ الوظيفة في الإسلام وأهميتها البالغة فالأمر يستدعي من القاضي توفيراً واسعاً لمزيدٍ من الوقت، وتهيئة جوٍّ ملائم للقضاء؛ لأن القضاء مسؤولية دينية ودنيوية، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ وُلِّيَ القَضَاءَ، أو جُعِلَ قاضِياً بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيرِ سِكِّين)) (177). إذن فهذه المسؤولية تستدعي تفرغاً وتفكُّراً ومراجعة، والحديث النبوي يحتاج كَذَلِكَ إِلَى تفرُّغٍ نِسبِيٍّ للمراجعة والمذاكرة من أجل الحِفَاظ عَلَى الضبط. وَقَدْ وجدنا حِيْنَ استقرأنا حال كَثِيْر من الرُّوَاة الَّذِيْنَ ولوا القضاء أنهم قَدْ خفّ ضبطهم لانشغالهم بهذا المنصب الوظيفي، ومن أولئك: شريك بن عَبْد الله النخعي الْقَاضِي، حدّد ابن حِبّان تَخليطه بَعْدَ عام خمسين ومئة حِيْنَ تولى قضاء الكُوفَةِ (178). وكذلك مُحَمَّد بن عَبْد الرحمان بن أبي ليلى (179) قَالَ أبو حاتم الرازي: ((شغل بالقضاء فساء حفظه)) (180).

ب. الاشتغال بالفقه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير