وجاء دعاءُ كميل كما يزعم الرافضةُ في كتبهم بعدةِ رواياتٍ منها:
قال كميلُ بن زياد: كنت جالساً مع مولاي أمير المؤمنين في مسجد البصرة، ومعه جماعة من أصحابه. فقال بعضهم: ما معنى قول الله عَزَّ و جَلَّ: " فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ "؟ قال: " ليلة النصف من شعبان، و الذي نفس علي بيده إنه ما من عبد إلا و جميع ما يجري عليه من خير و شر مقسوم له في ليلة النصف من شعبان إلى آخر السنة في مثل تلك الليلة المقبلة، و ما من عبد يحييها و يدعو بدعاء الخضر إلا أجيب (له) ". فلما انصرف طرقته ليلاً. فقال: " ما جاء بك يا كميل "؟ قلت: يا أمير المؤمنين دعاء الخضر. فقال: " اجلس يا كميل، إذا حفظت هذا الدعاء فادعُ به كل ليلة جمعة، أو في الشهر مرة، أو في السنة مرة، أو في عمرك مرة، تُكْفَ وَ تُنْصَر وَ تُرْزَق، وَ لَنْ تُعْدَم المغفرة، يا كميل أوجَبَ لك طولُ الصحبة لنا أن نَجُودَ لكَ بما سألت ". ثم قال: " أُكتب: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شي ء ... و ذَكَرَ الدعاء. إقبال الأعمال: 707.
وَ رُوِيَ أيضاً أن كميل بن زياد النخعي رأى أمير المؤمنين ساجدا يدعو بهذا الدعاء في ليلة النصف من شعبان: اللهم إني أسألك برحمتك ... مصباح المتهجد: 844.
الوقفةُ الثالثةُ: مراجعُ الرافضةِ يضعفون دعاءَ كُمَيْل:
وبعد الرجوعِ إلى كلامِ العلماءِ عندهم نجدُ أنهم يضعفون سندَ دعاءِ كُمَيْل، والعجيب أنهم يستحسنوهُ بعقولهم، وهذه طريقةُ معروفةٌ عندهم، وهم ليس لديهم ضوابطٌ أو قواعدٌ يسيرون عليها في الحكمِ على الأسانيدِ، بل لا يثبتُ عندهم حديثٌ صحيحُ السندِ إلى النبي صلى اللهُ عليه وسلم كما تحداهم بعضُ طلبةِ العلمِ.
وممن ذهب إلى عدمِ صحةِ سندِ دعاءِ كميل محمدُ حسين كاشف الغطاء فقد قال في " الفردوس الأعلى " (ص 51): إننا كثيراً ما نصححُ الأسانيدَ بالمتون فلا يضرُ بهذا الدعاءِ الجليلِ ضعفُ سندهِ مع قوةِ متنهِ فقد دل على ذاته بذاتهِ.ا. هـ.
سبحان الله!!! هل هذا كلامٌ علمي يتمشى مع أصولِ التصحيحِ والتضعيفِ؟؟؟ وكيف يدلُ على ذاتهِ بذاتهِ؟؟؟ وهذا يعني أن أي دعاءٍ استحسنه هؤلاءِ القومِ جعلوهُ ديناً – نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ -.
وقال أيضاً عبد الهادي الفضلي في " دروس في أصول فقه الإمامية " (ص 258): أمثالُ دعاءِ كميلِ فإن سندَهَ غيرُ ناهضٍ بإثبات صحةِ صدورهِ عن المعصومِ، لكن الفقيه من خلالِ مقارنته أسلوب هذا الدعاء بما يعرفُهُ من خصائص مميزة لأساليب أدعية أهل البيت يحصل له القطع بأنه صادرٌ عنهم (عليهم السلام).ا. هـ.
فهذان نصان من مراجعهم لا يثبتان صحةَ دعاءِ كميل، فكيف يتعبدون الله بدعاءِ يضعفه مراجعهم؟!
الوقفةُ الرابعةُ: وقفاتٌ مع دعاءِ كُميل نفسهِ:
كما يعلمُ الجميعُ أن الدعاءَ عبادةٌ من العباداتِ، ولذا جاء في القرآنِ والسنةِ ما يقررُ هذا الأمر أيما تقرير، ولستُ بصددِ سردِ النصوصِ في ذلك فهي واضحةٌ وضوح الشمس في رابعة النهارِ.
والذي أريد أن أقرره هنا أن دعاء كميل يخالفُ الآدابَ والقواعدَ التي ينبغي أن تراعى سواء حال الدعاء، أو في ذاتِ الدعاءِ نفسه فمن ذلك:
1 - الدعاءُ عبادةٌ كما هو معلومٌ لدى الجميعِ، والأصلُ في العباداتِ أنها توقيفية، أي لا يجوز أن يشرعَ الإنسان عبادةً من عند نفسهِ، بل لا بد أن تكونَ ثابتةً عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم، ولو أردنا أن نجري هذا الأصلَ على دعاءِ كميل لرددناهُ لسبب واحدٍ وهو عدمُ ثبوتِ سندهِ كما قرر ذلك مراجعُ الرافضةِ أنفسهم، وبناء عليه سقط الاستدلالُ به.
2 – تحديدُ الوقتِ لذكرهِ وهو ليلةُ النصفِ من شعبان، وليلة الجمعة، وهذا يحتاجُ إلى توقيفٍ من المصطفى صلى اللهُ عليه وسلم، أو يصحُ سندهُ عن الصحابي ويكونُ له حكمُ المرفوعِ إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
3 – ما جاء في الدعاء من أن تفسيرَ قوله تعالى: " فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ " [الدخان: 4] أن المقصودَ به ليلةُ النصفِ من شعبان، وهو قولٌ مردودٌ، بل المقصود ليلة القدر في رمضان، وهذه بعضُ النقولُ لأهلِ العلمِ عند تفسيرِ هذه الآيةِ.
¥