تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذه درجاتٌ سبع للحديث الصحيح، وأعلاها كما تقدم ما اتفق عليه البخاري ومسلم، وأحسنُ كتاب أُلِّف في ذلك كتاب "اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان" للشيخ محمد فؤاد عبد الباقي المتوفى سنة (1388هـ)، وقد رتَّبه وفقاً لترتيب الإمام مسلم، وأمّا النص الذي يثبته فمن صحيح البخاري، حيث يختار أقربَ لفظ في صحيح البخاري يوافق ما في صحيح مسلم فيثبته، وإنَّما أتى به على ترتيب مسلم؛ لأنَّ الإمام مسلماً رحمه الله يجمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد في مكان واحد فيسردها، ويذكر حديثاً يعتبره أصلاً ثمَّ يأتي بالطرق الأخرى والأسانيد ويذكر الإضافات والنقصَ والفروقَ التي بينها وبين الحديث الذي اعتبره أصلاً، فيثبت الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي لفظَ الحديث عند البخاري في موضعه من صحيح مسلم ثمَّ يقول: أخرجه البخاري في كتاب كذا، باب كذا، ويذكر رقم الكتاب ورقم الباب، وإنَّما لم يثبته على ترتيب البخاري؛ لأنَّ البخاريَّ يُقطِّع الأحاديث ويفرّقها في أبواب متعددة للاستدلال بها على ما يترجم به من المسائل، لأنَّه أراد أن يكون كتابه كتاب رواية ودراية، وقد بلغ مجموع الأحاديث في كتاب "اللؤلؤ والمرجان"

(1906) حديث.

ويقول العلماء عند العزو لما كان في الصحيحين: رواه البخاري ومسلم، أو أخرجه الشيخان، أو متفق عليه، وعبارة ((متفق عليه)) في الاصطلاح المراد بها اتفاق البخاري ومسلم، إلاَّ عند المجد ابن تيمية جدّ شيخ الإسلام ابن تيمية صاحب "منتقى الأخبار" الذي شرحه الشوكاني في "نيل الأوطار"، فإنه يريد "بمتفق عليه" بالإضافة إلى البخاري ومسلم، الإمام أحمد في المسند، فإذا قال: متفق عليه، فإنه يعني الثلاثة.

1 - صحيح البخاري

صحيح الإمام البخاري أصحُّ كتب السُّنَّة، وموضوعُه الأحاديث المسندة المرفوعة إلى رسول الله، وقد أراد البخاري أن يكون كتابُه كتابَ دراية، بالإضافة إلى كونه كتابَ رواية؛ كتاب حديث وفقه، من أجل ذلك اتَّبع طريقةً تَميَّز بها عن الإمام مسلم في صحيحه، وذلك بتقطيع الأحاديث وتفريقها وإيرادها تحت أبواب، من أجل الاستدلال بها على ما يترجم به، ومع تكرار الأحاديث في مواضع متعددة لا يخلي المقامَ من فائدة إسنادية أو متنية. وذلك أنَّه إذا أورد الحديث مكرراً يورده عن شيخ آخر، فيُستفاد من ذلك تعدُّدُ طرق الحديث، والأحاديث التي كررها إسناداً ومتناً قليلةٌ جداً تزيد على العشرين قليلاً، كما أشار إلى ذلك الحافظ في الفتح (11/ 340) وكما في كتاب كشف الظنون (1/ 363).

وقد ذكرت مواضع تلك الأحاديث في الفائدة

(254) من كتابي "الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى".

وهذه الطريقة التي اتَّبعها البخاري في تفريقه الأحاديث على الأبواب ترتَّب عليها وجودُ بعض الأحاديث في غير مَظنَّتها، فظنَّ بعضُ العلماء خلوَّ الكتاب منها كما حصل للحاكم رحمه الله في المستدرك حيث استدرك على البخاري أحاديث، وقال إنَّه لم يخرجها مع وجودها في صحيح البخاري، ومن أمثلة ذلك الحديث الذي رواه البخاري (2284) في كتاب الإجارة في النهي عن عَسْب الفَحْل، فقد استدركه الحاكم على البخاري فوهم، قال الحافظ في شرح الحديث: ((وقد وهم في استدراكه، وهو في البخاري كما ترى، وكأنّه لَمّا لَم يره في كتاب البيوع توهم أنَّ البخاري لم يخرجه)).

وأمَّا فقهُ البخاري فهو واضح من تراجمه التي وصفها الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح بكونها حيَّرت الأفكارَ وأدهشت العقولَ والأبصارَ، وبكونها بعيدةَ المنال منيعةَ المثال، انفرد بتدقيقه فيها عن نظرائه، واشتهر بتحقيقه لها عن قرنائه.

ومن أمثلة دقَّته في تراجمه قوله في كتاب الإجارة: ((باب إذا استأجر أجيراً ليعمل له بعد ثلاثة أيام أو بعد شهرٍ أو بعد سنة جاز وهما على شرطهما الذي اشترطاه إذا جاء الأجل)) والمقصودُ من هذه الترجمة أنَّ مدة الإجارة لا يشترط فيها أن تكون تالية لوقت إبرام العقد، وأورد تحت هذه الترجمة حديث عائشة رضي الله عنها (2264) في استئجار النَّبِيِّ وأبي بكر رجلاً من بنِي الدِّيل هادياً خرِّيتاً ودفعَا إليه راحلتيهما، ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير