قلتُ: قد عُلِمَ المبهمُ في هذا السند فزال الإشكال، فقد رواه ابن حبان (7 / رقم: 3112) من طريق عبد الملك بن الصباح؛ و البغوي في ((الجعديات)) (رقم: 2548): حدثنا علي - يعني: ابن الجعد -؛ و الحارث في ((مسنده)) (رقم: 279 0 بغية): ثنا عاصم بن علي؛ و البيهقي في ((شعبه)) (1/ 358) من طريق هاشم بن القاسم؛ و الذهبي في ((سيره)) (1/ 291) عن ابن أبي عدي - معلقا -؛ خمستهم عن شعبة عن سعد عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد - امرأة ابن عمر - عن عائشة به.
قلت: و هذا سند صحيح على شرط مسلم:
صفية: تابعيةٌ كبيرةٌ ثقةٌ، قال العجليُّ: مدنيةٌ تابعيةٌ ثقةٌ، و ذكرها ابنُ حِبَّان في ((الثقات)).
روَتْ عن عمرَ و حكتْ عنه، و عن بعضِ أمهَّات المؤمنين و سمعت منهُنَّ، و روى عنها جمعٌ من ثقاتِ التابعين، فيهم: سالم بن عبد الله بن عمر و نافع و عبد الله بن دينار، في آخرين كلُّهم ثقاتٌ.
و قد احتجَّ بها مسلمٌ في ((صحيحه)) (1490)، و مالك في ((الموطأ)) في ست مواضع أو أكثر، فهي عندهما ثقة - لا ريب -، و صحح لها ابن خزيمة (2686) و ابن حبان (3742 و 4302) في ((صحيحيهما "، و الضياء في ((المختارة)) (138)، و البيهقي - كما في ((نصب الراية)) (3/ 207 و 4/ 250).
و قد ذكرها ابن عبد البر في الصحابة، و أثبت ابن مندة لها الإدراك، و نفاه الدارقطني.
قلت: و هي زوج ابن عمر تزوجها في خلافة أبيه، و أصدقها عمر بن الخطاب صداق ابنه، و هي أم أولادٍ له، و هُم:أبو بكر و أبو عبيدة و واقد وعبد الله و عمر و حفصة و سودة (الطبقات الكبرى 4/ 142و 8/ 472).
و بعد هذا: فلا يرتابُ أحدٌ ممَّن ذاق طعمَ الحديث و عقلَ تصرُّفات الأئمَّة في نقد الرجال: أنها ثقة!
تنبيهات مهمَّة:
الأول:وقع في ((زوائد مسند الحارث: شبيب، بدل شعبة، و هو تحريف قبيح، لم ينتبه له المحقق!!
الثاني: فقد أخرج الطبرانيُّ في ((المعجم الأوسط)) (رقم: 1159) قال - وأحال على إسناده -: حدثنا أحمد، حدثنا عبيد الله، حدثنا زيد بن أبي أنيسة - عن جابر عن نافع قال: أتينا صفية بنت أبي عبيد فحدثتنا أنَّ رسول الله r قال: ((إنْ كنت أرى لو أن أحدا أعفي من ضغطه القبر لعوفي سعد بن معاذ، لقد ضُمَّ ضَمَّةً)).
و إسناده إلى زيد صحيح، لولا أن شيخَ الطبراني - وهو: أحمد بن عبد الرحمن بن عقال الحراني - قال فيه أبو عروبة: ليس بمؤتمن على دينه.
قلت: ذكر له ابن حجر حديثا منكرا، و قال: ((ولم أر له أنكر من هذا وهو ممن يكتب حديثه)) (لسان الميزان 1/ 213).
قلت: و لعله أخطأَ في هذا الحديث أيضاً، فقد رواه عليُّ بنُ معبد - كما في ((الروح)) لابن القيم ص: 56 - قال: حدثنا عبيد الله عن زيد بن أبي أنيسة عن جابر عن نافع قال أتينا صفية بنت أبي عبيد امراة عبد الله عمر وهي فزعة فقلنا:ما شأنك؟ فقالت: جئتُ مِنْ عند بعضِ نساء النبي r قالت فحدثتني أنَّ رسول الله قال ((إن كنت لأرى لو أن أحد أعفي من عذاب القبر لأعفي منه سعد بن معاذ لقد ضم فيه ضمة)).
فوصله بذكر الواسطة بين صفية و النبي r ، وقد تقدم أنها عائشة رضي الله عنها.
قلت: و لولا أن جابرا الذي في إسناده هو: ابن يزيد الجعفي الرافضيُّ الضَّعيف، لكانت متابعة قوية لسعد؛ غير أنني أخاف أن يكون دلّس فيه، و لم يسمعه من نافع، و هذا الأليقُ به، كما فعل فيمن حدّثت صفية، فلم يصرّح باسمها لرفضه و غلوّه في التشيع.
الثالث: فقد أخرج الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (رقم:4627)، قال:حدثنا عبيدالله بن محمد بن عبدالرحيم البرقي، قال: حدثنا عمرو بن خالد الحرانى قال: حدثنا ابن لهيعة عن عقيل أنه سمع سعد بن إبراهيم يخبر عن عائشة بنت سعد أنها حدثته عن عائشة أم المؤمنين قالت: دخلت على يهودية فحدثتني وقالت في بعض قولها: أي والذي يقيك فتنة القبر، قالت: فانتهرتها، وقلت:ما هو بأول كذبكم على الله ورسوله ولو كان للقبر عذابا لأخبر الله نبيه r ؟ فقالت اليهودية ((إنا لنزعم أن له عذابا قالت عائشة: فلما دخل علي نبي الله r أخبرته بقولها فلم يرجع إليَّ شيئا، فلما كان بعد ذلك قال: يا عائشة، تعوذي بالله من عذاب القبر، فإنه لو نجا منه أحدٌ نجا منه سعد بن معاذ، و
¥