تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان مولد أبي داود رحمه الله في السنة الثانية بعد المئتين للهجرة، نشأ وترعرع في بلده سجستان وأخذ يتلقى عن الشيوخ وحرص على الطلب من سن مبكر في حياته، ولذلك نجده رحمه الله بدأ في الرحلة وهو صغير في السن، رحل إلى بغداد في سنة عشرين ومئتين، أي أن عمره آنذاك ثمان عشرة سنة، ورحل إلى الشام في سنة اثنتين وعشرين ومئتين، أي وعمره عشرون سنة، لذلك نجده حُظي بعلو الإسناد فسننه تعتبر من السنن عالية الإسناد، ويأتي في مرحلة علو الإسناد بعد البخاري ـ رحمهما الله تعالى، أي أنه يفوق مسلماً في علو الإسناد، بل إننا لنجده في كثير من الأحيان يُشارك البخاري في جماعة من شيوخه لم يُشاركه في الرواية عنهم غيره، مع العلم بأن البخاري أكبر منه بحوالي ثمان سنوات.

شيوخه

تلقى ـ رحمه الله ـ عن كثير من العلماء،وبخاصة من كان منهم من العلماء المشهورين الأجلاء مثل: الإمام أحمد، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، ومحمد بن بشار ـ بُندار ـ , وغير هؤلاء كثير، بل إنه يقول عن نفسه: كتبت عن بندار خمسين ألف حديث، وهذا العدد عن شيخ واحد ليس بالهين، فهو عدد كثير، والكلام فيه كما قلناه سابقاً عن صحيح البخاري وصحيح مسلم ـ أن هذا يعتبر مع المكرر وبغير الحيديث المرفوع.

انتقاله إلى البصرة وسبب ذلك:

انتقل في آخر حياته إلى البصرة وذلك في سنة إحدى وسبعين ومئتين أي قبل وفاته بأربع سنوات، وهذه النقلة لها سبب، وذلك الأمير طرق عليه بابه يوماً من الأيام ثم دخل عليه وطلب منه ثلاثة أمور فاستعرضها معه أبو داود، فقال له: الأمر الأول: أن تنتقل إلى البصرة لأن الزنج كانوا أحدثوا فتنة في ذلك الوقت، وهذه الفتنة كانت بالقرب من البصرة مما ألجأ سُكان البصرة على النزوح منها خوفاً من هؤلاء القوم.

فأراد من أبي داود أن يذهب إلى البصرة حتى يرجع الناس ويستوطنوا البصرة، لأن الناس في ذلك العصر كانوا مشدودين بالعلماء، فكون أبي داود يذهب إلى البصرة ويبقى فيها، فلا شك على الأقل أن طلبة العلم والحريصين على طلب الحديث سيذهبون معه إلى هناك للتلقي منه ـ رحمه الله ..

فقال: هذه واحدة، هات الثانية، فطلب منه أن يروي السنن لأولاده فقال: هات الثالثة، قال: الثالثة أن تفرد لأولادي مجلساً فإنهم لا يشتركون مع عامة الناس في مجالسهم. فقال: أما هذه فلا سبيل إليها.

ثم ذكر له أن هذا العلم لا ينبغي أن يخص به أحد لشرفه أو لرفعة مكانته فالناس كلهم فيه سواء، فلبّى طلبين للأمير، وهما طلبان لا بأس بهما، وامتنع من تلبية الطلب الثالث ـ رحمه الله تعالى ..

رحلته مع ابنه إلى مصر

ثم إنه واصل الرحلة فرحل إلى مصر في سنة أربعين ومائتين، وكان معه ابنه عبد الله (2) وعمره إذ ذاك ما يقرب من عشر سنوات أو فوقها بيسير، فلمّا رحل إلى مصر جاء إلى حلقة الإمام الجهبذ أحمد بن صالح المصري، أحد المحدثين العارفين بعلل الحديث والمتكلمين في علل الرجال.

وكان مقصد أبي داود أن يستفيد هو بالتلقي من هذا الشيخ،ومع ذلك يتلقى معه ابنه في حال الصغر، فيظفر بعلو الإسناد أيضاً حينما يرحل به أبوه هذه المسافة الشاسعة وهو في هذه السنن، فلا شك بأنه سيظفر بالتلقي من هؤلاء الشيوخ الذين ربما انتظر حتى يكبر فاته السماع منهم.

وقد كان أحمد بن صالح المصري ـ رحمه الله ـ يمنع المُردان من الجلوس في حلقته فلا أحد يستطيع أن يأتي إلا وهو ملتحي، فتحايل أبو داود فوضع لابنه عبد الله لحية ـ نسميها لحية اصطناعية ـوجاء به إلى حلقة أحمد بن صالح فاكتشف ذلك أحمد بن صالح، وغضب على أبي داود وتكلم عليه، ولا شك أن مثل هذا التصرف كما يظهر ناشئ من محبتهم للخير، ولحرص أبي داود على تربية ابنه عبد الله تربية صحيحة سليمة، وتنشئته نشأةعلمية، وهكذا كان له ـ رحمه الله ـ فإنه أصبح بعد ذلك من كبار العلماء.

عجائب ما رآه في مصر (3):

وفي هذه الرحلة إلى مصر نجد أبا داود رأى بعض العجائب في رحلته هذه، ومن هذه الأمور التي يتحدث عنها ـ رحمه الله ـ ذرك حديثاً، ثم ذكر أنه في مصر شَبَر قثّاءة ـ القثاء هو الذي نسميه الخيار، ولكنه نوع من الخيار يكون في العادة متميز الشكل ومضلع، فذكر أنه شبرَ قِثّاءَة بمصر طولها ثلاثة عشر شبراً، وهذا طول فيه زيادة كما يظهر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير