وقد يجري - خطأً - على لسان القرّاء ((جُزْءُ المَنْبِجِيِّينِ)) بالجمع والصّواب أنّه بالتّثنية؛ ولهذا نرى الحافظ ابن حجر يحتاط لهذا الإيهام بطريقة الفصل والإفراد حيث قال: ((جزء المنبجي والمنبجي قرأته على أبي الحسن عليّ بن أحمد بن محمّد بن محمود المرادوي، أنبأنا محمّد بن عليّ بن أحمد بن فضل الواسطي، وأبو عبيد الله محمّد ابنا أحمد بن المحبّ، قالا: أنبأنا محمّد بن عليّ بن أحمد بن فضل الواسطي، حدّثنا الحسن بن عليّ بن الحسين ابن البنّ، أنبأنا جدّي الحسين بن الحسن، أنبأنا أبو القاسم عليّ بن محمّد بن أبي العلاء، أنبأنا أبو القاسم عمر بن محمّد المنبجي عن شيوخه، وأبو عليّ الحسن بن الأشعث المنبجي، عن أبي عليّ الكندي عن شيوخه)) [14].
والعلمان المنبجيّان اللّذان عرف بهما الجزء هما:
1 - أبو عليّ الحسن بن أشعث بن محمّد بن علي المنبجي كان حيّاً عام 417هـ، وهو محدّث كان له مسجد في مدينة منبج يؤمّ النّاس فيه ويقرؤون عليه فيه كتب الحديث. روى عن عدد من الشّيوخ منهم شيخه في هذا الجزء المحدّث المسند الفقيه أبو علي الحسن بن عبد الله بن سعيد الكندي الحمصي [15] سمع عليه ببعلبك في مسجدها الجامع عام 388هـ[16].
2 - أبو القاسم عمر بن محمّد المنبجي: ولا تُسعف المصادر بخبر عنه، ولعلّه كان رفيقاً لأبي عليّ الحسن بن أشعث بن محمّد بن علي المنبجي، ومن بلدٍ واحد هو منبج، وعنوان الجزء ((جُزْءُ المَنْبِجِيِّينِ)) يشير على شيء من ذلك والعلم عند الله تعالى.
5 - جُزْءُ التَّرَاجِم:
ذكره العلائي ضمن مرويّاته فقال: ((جزء من حديثه - أي النّجّاد - يُعرف بجُزْءِ التَّرَاجِم)) [17]. وهو للإمام الحافظ الفقيه المفتي شيخ العراق أبي بكر أحمد بن سلمان بن الحسن البغدادي الحنبلي المعروف بالنّجّاد المتوفّى سنة 348هـ[18]، ذكره جمع من العلماء كالذّهبي والصّفدي والفاسي [19] وغيرهم. ولا تُعرف له نسخة، وثمّة بعض أجزاء من حديث النّجّاد في الظّاهريّة تحتاج إلى تفتيش وكشف لمعرفة ما إذا كان من بينها جزء التّراجم هذا، وما ذكره محقّقا ثبتَي العلائي وابن حجر [20]- وفّقهما الله - عن وجود الجزء بالظّاهريّة مجرّد احتمال يُقطع بالوقوف على تلك الأجزاء الخطّيّة ودراستها بدقّة.
ملاحظة: في الدّرر الكامنة ((جزء التّراجم للبخاري))، وفي الدّرّ المنثور ((أخرج البخاري في جزء التّراجم)) [21]، وكلّ ذلك تصحيف صوابه النّجّاد، والبخاري لا يُعرف له جزء بهذا الاسم.
6 - جُزْءُ البَيْتُوتَةِ:
ذكره ابن حجر ضمن مرويّاته فقال:
((جزء البَيْتُوتَةِ وهو جزء لطيف من عوالي أبي العبّاس السَّرّاج كان لا يحدّث به إلاّ من بات عنده ليلة)) [22].
وصاحب الجزء هو محدّث خراسان الإمام الحافظ أبو العبّاس محمّد بن إسحاق بن إبراهيم الثّقفي السّرّاج المتوفّى سنة 313هـ[23].
فهذه نماذج من الأجزاء الحديثيّة التي عُرفت عند المحدّثين بأسماء معيّنة خاصَّة واشتُهرت بها عندهم، ولا شكّ أنّ ثمّة أجزاء أخرى كثيرة جديرة بالبحث والتّتبّع، والاستقصاء والتّوسّع، مثل جزء الحاكم ((فوائد الفوائد)) المعروف بـ: ((المئة))، والجزء التّاسع من حديث ابن السّماك المعروف بـ: ((جزء حنبل))، وحديث أبي الطّيّب الجعفري المعروف بـ: ((جزء ابن عمشليق))، وجزء هلال الحفّار المعروف بـ: ((حديث القطّان))، والفوائد المنتقاة والأفراد والغرائب الحسان للقَطيعي المعروف بـ: ((جزء الألف دينار)) وغيرها كثير.
ويمكن للباحث أن يلتمس أسبابَ هذه التّسمية التي التصقت بهذه الأجزاء واشتُهرت بها عند المحدّثين من ذلك:
1 - اشتراط المؤلّف شرطاً معيّنا لسماع جزئه؛ كما فعل أبو العبّاس السّرّاج الذي كان لا يحدّث به إلاّ من بات عنده ليلة، زيادة في إكرام المحدّثين الذين تجشّموا عناء السّفر والرّحلة لسماع ذلك الجزء.
2 - اعتبار كلمة من حديث جليل؛ كما فعل أبو القاسم الكناني في جزء البطاقة الذي يُشير به إلى حديث الرّجل الذي يُنشر له يوم القيامة تسعةٌ وتسعون سجلاّ أُحصيت فيها أعماله، ثمّ يؤتى له ببطاقة فيها كلمة التّوحيد، فترجح كِفّتها على كِفّة تلك السّجلاّت، وبهذا اشتُهر الجزء عند المحدّثين بجزء البطاقة.
¥