• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " بلغ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن أناسا قد كتبوا حديثه، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما هذه الكتب التي بلغني إنكم تكتبون؟ إنما أنا بشر من كان عنده منها شيء فليأت به،فجمعناها فاحرقت فقلنا يارسول الله نتحدث عنك؟ قال: تحدثوا ولا حرج، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".
• واخرج الدارمي في سننه عن يحيى بن جعدة قال: " أتي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بكتف فيه كتاب، فقال كفا بقوم ضلالا أن يرغبوا عما جاء به نبيهم الى ما جاء به غير نبيهم، أو كتاب غير كتاب ربهم، فانزل الله تعالى (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (العنكبوت:51).
لا بد من الإشارة الى أن هذا الحديث الذي ساقه الدرامي ضمن الأحاديث التي ساقها للدلالة على عدم جواز كتابة الحديث الشريف ليس فيه دلالة على ذلك، وإنما الدلالة الواضحة في الحديث أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أتي بما ليس من سنته ولا مما نزل عليه من القران، بل مما كتبه بنو إسرائيل سواء كان من التوراة أو الإنجيل،أو مما كتب علماؤهم، بدلالة قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كفى بقوم ضلالا أن يرغبوا عما جاء به نبيهم " وهو كتاب الله وسنة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وفي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أو كتاب غير كتاب ربهم " إشارة الى التحريف الذي لحق كتب بني إسرائيل أو الى ما نقل عن علماء بني إسرائيل.
لعل هذه الأحاديث التي أوردناها هي ابرز ما يذكر في هذا الباب، وان كان هناك أحاديث أخرى في نفس المعنى، أعرضنا عن ذكرها لسببين:
الأول: أن القسم الأكبر منها يكاد يتطابق مع ما ذكرناه لفظا ومعنى، وإن اختلف طريق وروده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
الثاني: إن بعضا منها لا يسلم أمام النقد العلمي مما يؤدي الى الحكم بضعفها الأمر الذي يجعلنا في غنى عنها لثبوت أصل المسألة بالأحاديث التي ذكرناها.
لكن يجب أن نعرف مسألة مهمة بعد هذه الأحاديث التي أوردناها؛ هي انه لا مجال لرد هذه الأحاديث، فان كان بالمكان أن نتكلم في الأثر الخامس المروي عن أبي هريرة بأنه مما انفرد بإخراجه الخطيب البغدادي في تقييد العلم، ولم يشاركه احد فيه، فان غيره من الأحاديث التي أوردناها ثابتة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لا مجال للطعن فيها.
ثانيا: الآثار الدالة على إباحة الكتابة
مثلما نقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الأحاديث التي تدل صراحة على عدم الإذن في كتابة الحديث فقد ورد عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الأحاديث والنصوص التي مفادها الإذن بكتابة الحديث ما لا يمكن ردها هي الأخرى، وسنستعرض فيما يأتي ابرز الأحاديث الدالة على ذلك:
• عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: " كنت اكتب كل شيء اسمعه من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا: تكتب كل شيء سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بشر يتكلم بالغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فأومأ بإصبعه الى فيه، وقال: اكتب فوالذي نفسي بيده لا يخرج منه إلا الحق ".
• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتح الله على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - .... وذكر في الحديث أن رجلا من أهل اليمن طلب من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن يكتبوا له خطبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في ذلك اليوم، فاستأذنوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في ذلك فقال: " اكتبوا لأبي شاه ".
• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن أنصاريا شكا الى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قلة حفظه فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:"استعن بيمينك"
¥