تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لاشك أن من ينعم النظر في القرآن الكريم والسنة المطهرة فإنه سيجد أن هذا الدين العظيم رفع البشر إلى أعلى مستويات الإنسانية وإنه يتعامل معه كأشرف مخلوق على وجه الأرض ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً))، وإذا أردنا أن نقف عند بعض ملامح هذا التكريم الرباني فلن نتعب في ذلك ولن نتعنى لأن كل جزئية من جزئيات هذا الدين هي علم ونبراس على هذا التكريم.

ونحن حينما نتحدث عن التثبت وأهمية هذا التثبت في حياة المسلمين فإننا في الحقيقة نقف عند معلم بارز من معالم تكريم الله تبارك وتعالى لهذا الإنسان ذلك لأن الله جل وعلا خلق في الإنسان جوهرة مهيبة يستطيع من خلالها أن يحكم على الأشياء وأن يتصرف بعد ذلك بمقتضى ذلك الحكم الذي حكم به. وهذه الجوهرة-وهي العقل-لا تستطيع وحدها أو لا تستطيع مباشرة أن تصدر أحكامها على الأشياء إلا إذا استعانت بأدواتها من سمع وبصر وعلم. ولأجل أن تكون هذه الأحكام مصيبة شرع الله لنا أن نتثبت فيما ترسله أدوات العقل إلى العقل. قال تبارك وتعالى: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً).

والمنهج القرآني في التثبت يتآتى من خمسة منابع كلها تصب في نفس المسلم لتكون منه إنسانا سويا بعيدا عن الأهواء والتذبذب.

المنبع الأول: مدح الله تعالى للعلم والدعوة إلى التفكر والتدبر:

لما كان العلم ملكة تترسخ في النفس الإنسانية بقدر ما يبذل الإنسان من جهد في سبيل تحصيلها ولما كان تحصيل هذا العلم مرتبطا بما يبذله الإنسان من تضييق مصادر الظن والأهواء، كانت تلك المنزلة التي يعطيها الله للعلماء وكان ذلك التمجيد الذي مجد به العلم واهله، بمثابة الدعوة إلى التثبت، لأنه بالتثبت وحده يتحصل العلم.

قال تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَاب

فأنظر كيف جعل الله العلم الراسخ وسيلة للتخلص من الزيغ المترسب في القلوب المؤدي إلى الفتنة والتأويلات الفاسدة. قال الزمخشري: " (وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم) أي لا يهتدي الى تأويله الحق الذي يجب ان يحمل عليه الا الله وعباده الذين رسخوا في العلم، أي ثبتوا فيه وتمكنوا وغضوا عليه بضرس قاطع"

ثم ختم الله تبارك وتعالى الاية الكريمة بان الذين يتذكرون هم اصحاب العقول الذين استفادوا من عقولهم،قال الالوسي: (ان مدح الراسخين بالتذكرليس لان لهم حظا في معرفته، بل لانهم اتعظوا فخالفوا هواهم ووقفوا عند ما حد لهم مولاهم ولم يسلكوا مسلك الزائغين ولم يخوضوا مع الخائضين)

وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)).

قال الطبري في فسير هذه الآية: (يرفع الله المؤمنين منكم ايها القوم بطاعتهم ربهم ... ورفع الله الذين اوتوا العلم من اهل الايمان على المؤمنين الذين ام يؤتوا العلم بفضل علمهم درجات اذا عملوا بما امروا به)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير