تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحينما يضطرب الناس يوم القيامة عندما يرون العذاب يتميز أصحاب العلم بعلمهم إنهم على موعد مع هذا الموقف الذي أعدوا له عدته: قال تعالى: ((وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ، وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)).

يقول الرازي في بيان سبب هذا الاختلاف: (المجرم اذا حشر علم ان مصيره الى النار فيستقل مدة اللبث ويختار تأخير الحشر والابقاء في القبر، والمؤمن اذا حشر علم ان مصيره الى الجنة فيستكثر المدة ولايريد التأخير فيختلف الفريقانويقول احدهما: ان مدة لبثنا قليل وايه الاشارة بقوله "ويقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة" ويقول الاخر لبثنا مديدا، واليه الاشارة بقوله"وقال الذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله الى يوم البعث" يعني كان في كتاب الله ضرب الاجل الى يوم البعث ونحن صبرنا الى يوم البعث "فهذا يوم البعث ولكنكم كنتتم لا تعلمون "يعني طلبكم التأخير لانكم كنتم لا تعلمون البعث ولا تعترفون به فصار مصيركم الى النار)

ويعقد الله تبارك وتعالى موازنة بين طائفتين من الناس أعملوا أنظارهم وعقولهم في مسألة واحدة. فكان منهم من وصل إلى الحق لأنه سعى وراءه مجردا وكان منهم من ساقه عقله إلى الهاوية لأنه لم يحسن استخدام هذه النعمة الربانية بل جعل منها سبب هلاكه وغوايته. قال تبارك وتعالى: ((وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ، وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)) وكل هذا الاختلاف أن الفريق الأول لم يتثبت في إصدار أحكامه ولم يرعو أن يكون صدى لما كان يقال آنذاك عن رسالة محمد ?

فاتذبذب وعدم التثبت يؤديان بالمرء إلى الشرك وزرع النفاق في القلب، والعلم واليقين والتوقي يؤدي بالمرء إلى الإخبات والخضوع لرب العزة. قال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)).

فانظر إلى المرض الجاثم على قلوب المنافقين كيف جعل من إلقاء الشيطان فتنة لهم ووبالا عليهم صدهم عن ذلك الخير العظيم. وأنظر إلى العلم كيف جعل من إلقاء الشيطان ذاته وسيلة من وسائل العلم والتثبت طريقا إلى الإخبات والإذعان لمشيئة الله رب العالمين.

ثم بقي أن نعلم أن الله تعالى جعل العلماء هم الطائفة المرجوة في تحقيق شرع الله جل وعلا وأنهم هم الذين يعرفونه حق معرفته وبالتالي فهم الذين يخشونه حق خشيته.

قال تعالى: ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)).

وقال تعالى: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)).

المنبع الثاني: نهي الله تعالى المكلف عن عدم التثبت واستخدام المنهج العلمي فيه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير