واخرج القاضي عياض بسنده عن أنس بن مالك ? يقول سمعت رسول الله ? يقول: ((حدثوا عني كما سمعتم ولا حرج إلا من افترى علي كذبا متعمدا بغير علم فليتبوأ مقعده في النار)).
المحور الخامس: إجابه ? السؤال للكشف عن حقائق الأمور:
بعد كل هذا أوجب النبي ? على المسلمين أن يقوموا بالتحري والسؤال بأنفسهم من أجل أن يتثبتوا من حجة الخبر، وقد فعل ذلك ? بنفسه لكي يتأسى به المسلمون ويقتدوا بسنته العطرة كما حصل مع ذي اليدين حين سهى رسول الله ? في صلاة الظهر فقال له)): أ قصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟، قال: لم أنس ولم تقصر فقال: أكما يقول ذو اليدين فقالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر.))
فالنبي ? لم يكتف بما قاله ذو اليدين حتى سأل من كان معه تعليما لصحابته التثبت والتحري.
وكذلك فعل النبي ? في قصة ماعز حينما جاء إليه فقال (انه زنى فأعرض عنه فأعاد عليه مرارا فأعرض عنه فسأل قومه أمجنون هو؟ فقالوا ليس به بأس، قال أفعلت بها؟ قال: نعم، فأمر به أن يرجم)).
فالنبي ? لم يأخذ بكلامه واعترافه على نفسه بالخطيئة حتى سأل قومه عن حاله لكي يكون الحكم مبنيا على التثبت والتحري.
المبحث المبحث الثالث
التثبت عند الصحابة الكرام والتابعين
لقد وعي صحابة رسول الله ? حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم وفهموا أن الله تبارك وتعالى اختارهم من دون الأنام ليبلغوا أحداث عصر الرسالة برمتها إلى من جاء بعدهم. فهم يعلمون جيدا أن لا سبيل إلى استمرار الرسالة الإسلامية إذا لم يكونوا حلقة الوصل بين الأمة ونبيها. وهذا الموقع الحساس يستلزم صفات عالية من الإخلاص العميق وقدرة فائقة على أداء ما تلقوه من نصوص قرآنية ونبوية. كما سمعوها من مصدرها الأول.
وقد استطاع صحابة رسول الله ? أن يكونوا بذلك المستوى الرفيع الذي يريدهم الله له، فهم قد ساروا طوال حياتهم آخذين بعزائم الأمور متعالين عن سفاسفها وصغائرها. واستطاعوا كذلك أن يكونوا الجيل المثالي الذي تخرج على يد النبي ? بسلمهم وحربهم وجدهم وليلهم ونهارهم حتى كانوا بمجموع حياتهم مرآة عاكسة لحياته صلى الله عليه وسلم.
لذا فليس غريبا أن نجد التثبت الذي دعا إليه القرآن الكريم والسنة النبوية ماثلا في حياة الصحابة مثولا رائعا كأنه الشمس في رابعة النهار حتى أن الباحث إذا أراد أن يسجل حالات التثبت في حياة الصحابة الكرام والتابعين فسيجد الكثير الكثير من الأمثلة والشواهد لحالات التثبت التي كانوا يعتمدونها في سبيل الاستيقان والاطمئنان على سنة المصطفى ?.
ولكن مما يحز في النفس وينفطر له القلب أسى أن يتحول هذا الخلق النبيل-والذي رائده الإخلاص الشديد والحرص الأكيد على دين الله وسنة نبيه ? إلى سبة على أولئك الصحابة الكرام ومستمسكا لمن أعرض عن جادة الصواب فادعوا ان الصحابة الكرام كان يتهم بعضهم بعضا في التقول على رسول الله ? ويستشهدون لدعواهم هذه بما أثر عن أولئك الصحابة من زيادة في التحري والاستيقان متناسين إن التحري إذا كان الباعث له هو التأكد من الضبط والحفظ فإنه لا يقدح بعدالة الراوي بخلاف ما إذا كان مبعثه الريبة في صدق الراوي.
فهذا أبو رية يريد أن يصل إلى مراده الخبيث عن طريق ما كان الصحابة يمارسونه من عمليات تثبتيه واستمع إليه إذ يقول: (وكانوا (أي الصحابة) يتشددون في قبول الأخبار من إخوانهم في الصحبة مهما بلغت درجاتهم ويحتاطون في ذلك أشد الاحتياط حتى كان أبو بكر لا يقبل من أحد حديثا إلا بشهادة غيره على إنه سمعه من رسول الله ?).
وهذا الكلام ظاهره شيء وما يريد أن يصل إليه أبو رية شيء آخر فهو حينما يؤسس كلامه هذا على ما رواه (ابن شهاب عن قبيصة أن الجدة جاءت تلتمس أن تورث فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئا وما علمت أن رسول الله ? ذكر لك شيئا ثم سأل الناس، فقام المغيرة فقال: كان رسول الله ? يعطيها السدس فقال له هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذ لها أبو بكر). كان الأجدر به والأحفظ لدينه أن يقول بعد ذلك أن أبا بكر ? إنما طلب رجلا آخر مع المغيرة لأحد أمرين:
- أما من أجل أن يتثبت من حفظ المغيرة.
¥