ومن وسائل التثبت عند الصحابة رضي الله عنهم انهم كانوا إذا سمعوا حديثا لهم به علم شهدوا لذلك الراوي بالصدق والحفظ، ومن أمثلة ذلك:
- ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله ? قال: من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال أمرىء مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان قال: فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن قالوا: كذا وكذا قال: صدق أبو عبد الرحمن في نزلت، كان بيني وبين رجل أرض باليمن فخاصمته إلى النبي ? فقال هل لك بينة؟ فقلت لا قال فيمينه قلت: إذن يحلف فقال النبي ? عند ذلك من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال أمرىء مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان فنزلت ((إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) -.
فشهادة الأشعث بن قيس لعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما هنا وتوافق روايتهما دليل على ضبط عبد الله بن مسعود وإتقانه لشروط رواية الحديث.
الطريقة الثامنة: استدراك بعضهم على بعض في رواية الحديث:
ومن أمثلة التثبت في الحديث عند الصحابة رضي الله عنهم استدراك بعضهم على بعض في رواية الحديث إذا علم أحدهم أن هناك حديثا يروي على غير وجهه الصحيح. وكان استدراك الصحابة رضي الله عنهم بعضهم على بعض أمرا معتادا وشائعا بينهم لأن أحدهم لم يدع العصمة لنفسه، ولعلمهم إن تركهم لهذا الأمر يجعل العالم منهم كاتما للعلم وهو ما توعد عليه الشارع الحكيم على لسان رسوله الكريم.
ومن الجدير بالذكر أنه ليس بالضرورة ان يكون المستدرك أعلى مرتبة من المستدرك عليه بل الأمر مرهون بالحفظ والسماع فمن حفظ فهو حجة على من لم يحفظ. وكان الصحابة رضي الله عنهم يتقبلون ذلك بكل رحابة وانبساط لأن (الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها).
وممن اشتهر من الصحابة رضي الله عنهم بكثرة استدراكاته: عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين وزوج النبي ? حتى إن الإمام بدر الدين الزركشي (ت 794هـ) قام بجمع استدراكات عائشة رضي الله عنها على الصحابة وجعلها في كتاب مستقل أسماه (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة) قام بتحقيقه والتعليق عليه الدكتور سعيد الأفغاني.
ومن الأمثلة على ما استدركه الصحابة رضي الله عنهم بعضهم على بعض:
-
ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان ? بمكة وجئنا لنشهدها وحضرها ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وإني لجالس بينهما أو قال جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله ? قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه فقال ابن عباس رضي الله عنهما قد كان عمر ?يقول بعض ذلك ثم حدث قال: صدرت مع عمر ? من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا بركب تحت ظل سمرة فقال: اذهب فأنظر من هؤلاء الركب قال فنظرت فإذا صهيب فأخبرته فقال أدعه لي فرجعت إلى صهيب فقلت ارتحل فالحق أمير المؤمنين فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول وا أخاه واصاحباه فقال عمر: يا صهيب أتبكي علي وقد قال رسول الله ?: إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه فقال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما مات عمر رضي الله عنه ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها فقالت: رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله ? إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ولكن رسول الله ? قال: إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه وقالت: حسبكم القرآن ((وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)).
قال ابن عباس رضي الله عنهما عند ذلك: والله ((هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى))، قال ابن أبي مليكة (والله ما قال ابن عمر رضي الله عنهما شيئا) 1
فلا يعترض هنا على عائشة باستدراكها على عمر رضي الله عنهما بعلو شأن أمير المؤمنين وشدة تمسكه لأنه ما من صحابي إلا وفاته شيء من سنته ? فكان الشاهد منهم يبلغ الغائب كما أمرهم بذلك ?. ومن أمثلة ذلك ما استدركت:
¥