- به عائشة رضي الله عنها على أبي هريرة في مسألة صحة صيام من أصبح جنبا في رمضان. فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي بكر بن عبد الرحمن ((أنه أتى عائشة فقال: أن أبا هريرة يفتينا أنه من أصبح جنبا فلا صيام له فما تقولين في ذلك فقالت: لست أقول في ذلك شيئا، قد كان المنادي ينادي بالصلاة فأرى حدر الماء بين كتفيه ثم يصلي الفجر ثم يظل صائما2))
- وأخرج كذلك في مسنده عن الحارث بن نوفل قال: ((صلى معاوية بالناس العصر فألتفت فإذا أناس يصلون بعد العصر فدخل ودخل عليه ابن عباس وأنا معه فأوسع له معاوية على السرير فجلس معه قال: ما هذه الصلاة التي رأيت الناس يصلونها ولم أر النبي ? يصليها ولا أمر بها قال: ذاك ما يفتيهم ابن الزبير فدخل ابن الزبير فسلم فجلس فقال معاوية: يا ابن الزبير ما هذه الصلاة التي تأمر الناس يصلونها لم نر رسول الله ? صلاها ولا أمر بها، قال: حدثتني عائشة أم المؤمنين أن رسول الله ? صلاها عندها في بيتها قال: فأمرني معاوية ورجل آخر أن نأتي عائشة فنسألها عن ذلك قال: فدخلت عليها فسألتها عن ذلك فأخبرتها بما أخبر ابن الزبير عنها فقالت: لم يحفظ ابن الزبير إنما حدثته عن رسول الله ? صلى هاتين الركعتين بعد العصر عندي فسألته فقلت إنك صليت ركعتين لم تكن تصليهما قال: إنه كان قد أتاني شيء فشغلت في قسمته عن الركعتين بعد الظهر وأتاني بلال فناداني بالصلاة فكرهت أن أحبس الن اس فصليتهما قال: فرجعت فأخبرت معاوية3.))
وغير ذلك كثير مما حفلت به كتب السنن والآثار من صحابة النبي ? تقضي بأنهم كانوا أمناء الله على سنة نبيه ? أختارهم الله بعلم لتبليغ أحداث عصر الرسالة إلى الأمة الإسلامية بكل أمانة وصدق.
الطريقة التاسعة: الرحلة في طلب الحديث بنية التثبت:
وأخيرا نختم هذا المبحث بذكر طرف مما تحمله الصحابة رضي الله عنهم في سبيل حديث رسول الله ? وهو الرحلة والسعي من اجل التثبت من حديث رسول الله ? وهي الطريقة التاسعة التي مشى بها الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم متحملين في ذلك مشاق عظيمة لا يمكن أن تهون إلا على ذوي الهمم العالية والنفوس الكبيرة.
- أخرج الإمام أبو داود في سنته عن عبد الله بن بريدة ((أن رجلا من أصحاب النبي ? رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر فقدم عليه فقال: أما إني لم آتك زائرا ولكني سمعت أنا وأنت حديثا عن رسول الله ? رجوت ان يكون عندك منه علم قال: وما هو؟ قال: كذا وكذا قال: وما لي أراك شعثا وأنت أمير الأرض؟ قال: أن رسول الله ? كان ينهانا عن كثير من الأرفاه، قال: فما لي لا أرى عليك حذاء، قال: كان النبي ? يأمرنا أن نحتفي أحيانا.))
- وأخرج الدارمي في سننه عن ابن عباس قال: ((لما توفي رسول الله ? قلت لرجل من الأنصار: يا فلان هلم فلنسأل أصحاب النبي ? فإنهم اليوم كثر فقال: واعجبا لك يا ابن عباس أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله ? من ترى؟ فترك ذلك وأقبلت على المسألة فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه فتسفي الريح على وجهي التراب فيخرج فيراني فيقول يا ابن عم رسول الله ما جاء بك ألا أرسلت إلي فآتيك فأقول لا، أنا أحق أن آتيك فأسأله عن الحديث، فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس علي فقال: كان هذا الفتى أعقل مني.))
وقد استطاع الصحابة رضي الله عنهم أن يزرعوا هذا المبدأ الأصيل في نفوس تلاميذهم من التابعين فكانت الرحلة في طلب الحديث على أشدها وشاعت حتى أصبحت منهجا ثابتا في طلب العلم إذ هي تطبيق واقعي لحديث رسول الله ? ((من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة)).
فقد أخرج الدرامي عن بسرة بن عبد الله انه قال: ((إن كنت لأركب إلى مصر من الأمصار في الحديث الواحد لأسمعه)).
الطريقة العاشرة: عرض السنة على السنة
ومن الوسائل التي اتخذها الصحابة رضي الله عنهم كأساس من اسس توثيق السنة وتمييز الحديث الصحيح من غيره عرض السنة على السنة
ومن ذلك ما رواه ابو مسلم بن عبد الرحمن قال:"دخلت على عائشةفقلت يا اماه ان جابر بن عبدالله يقول: (الماء من الماء) قالت اخطأ جابر اعلم مني برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سمعته يقول: (اذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل)
ايوجب الرجم ولا يوجب الغسل"
¥