أما عن اشتراط الإسلام في الراوي فهو اظهر وأجلى. يقول الخطيب: ويجب أن يكون وقت الأداء مسلماً لأن الله تعالى قال: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتنبؤا) وان اعظم الفسق الكفر بالله تعالى وإذا كان خبر المسلم الفاسق مردوداً مع صحة اعتقاده فخبر الكافر أولى بذلك).
هذا بالنسبة للشروط الثلاثة الأول. أما الشرطان الآخران واعني بهما (السلامة من أسباب الفسق وخوارم المروءة). فان العلماء اعملوا نظرهم وفكرهم في من يخرج باشتراطهم للعدالة بعد أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً. فوجدوا أن هناك خمسة أصناف من الرواة لا يمكن أن يوصفوا بالعدالة على الرغم من توفر شروط الإسلام والبلوغ والعقل فيهم.
هؤلاء الذين سنتحدث عنهم بوصفهم ساقطي العدالة وهم:-
الصنف الأول:- الفاسقون.
الصنف الثاني:- منخرمو المروءة.
الصنف الثالث:- المبتدعون.
الصنف الرابع:- الكذابون والمتهمون بالكذب.
الصنف الخامس:- المدلسون عند من يرى أن التدليس جرحا مسقطا للعدالة.
وسنتحدث عن كل صنف من هؤلاء ونحاول أن نقف على رأي المحدثين في روايته. وإنما أخرنا المدلسين وراء هؤلاء للخلاف الحاصل بين العلماء حول التدليس هل هو مسقط للعدالة أم لا.
المطلب الأول
الفاسق وحكم الرواية عنه:-
الفسق في اصل اللغة الخروج عن الشيء يقال: فسقت الرطبة أي خرجت عن قشرتها. وإنما سميت الفأرة فويسقة (لخروجها من حجرها على الناس).
وفي الاصطلاح الترك لأمر الله والعصيان له والخروج عن طريق الحق.
والفاسق من الناس من عرف بارتكاب كبيرة أو بإصرار على صغيرة. فمن ثبت فسقه فالعلماء مجمعون على عدم جواز السماع عنه لما علموا من أهمية السنة.
(فقد روى البيهقي عن النخعي قال كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته وإلى صلاته وإلى حاله ثم يأخذون عنه).
ولذا نقل السيوطي اتفاق (أهل العلم على أن السماع ممن ثبت فسقه لا يجوز). لكن هناك فرق بين أن يكون الفسق مظنوناً وبين أن يكون مقطوعاً به. يقول الأمدي: والفاسق المتأول الذي لا يعلم فسق نفسه لا يخلو أما أن يكون فقه مظنوناً أو مقطوعاً به.
فان كان مظنوناً كفسق الحنفي إذا شرب النبيذ فالأظهر قبول روايته وشهادته وقد قال الشافعي ? إذا شرب الحنفي النبيذ أحده واقبل شهادته.
وان كان فسقه مقطوعاً به فأما أن يكون ممن يرى الكذب ويتدين به أو لا يكون كذلك فان كان الأول فلا نعلم خلافا في امتناع قبول شهادته (ورد روايته) كالخطابية من الرافضة لأنهم يرون شهادة الزور لمواقفيهم.
وان كان الثاني كفسق الخوارج الذين استباحوا الدار وقتلوا الأطفال والنسوان فهو موضع الخلاف فمذهب الشافعي واتباعه واكثر الفقهاء أن روايته وشهادته مقبولة وهو اختيار الغزالي وأبي الحسين البصري وكثير من الأصوليين
وذهب القاضي أبو بكر والجبائي وأبو هاشم وجماعة من الأصوليين إلى امتناع قبول شهادته وروايته، وهو المختار).
والفسق يثبت بأمور عديدة منها ما له علاقة برواية الحديث ومنها ما لا علاقة له بالحديث. وكلاهما مؤثر وقادح في عدالة الراوي.
فمما لا علاقة لها بالرواية. تعاطيه لكبائر لأن علماء أهل السنة مجمعون للكبائر على أن من أتى كبيرة كان فاسقاً خلافاً للخوارج الذين كفروا مرتكب الكبيرة وللمعتزلة الذين جعلوه في منزلة بين المنزلتين. والمرجئة الذين قالوا لا تضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
وكذلك يثبت الفسق بالإصرار على الصغائر لأن الإصرار عليها يحيلها إلى كبائر. فمن عرف بإصراره على صغيرة من الصغائر كان فاسقاً بإصراره هذا.
أما ما له علاقة برواية الحديث فقد ذكر السيوطي إن فسق الراوي يثبت بأن (بضع متون الأحاديث على رسول الله أو أسانيد المتون … ومنها أن يدعي السماع عمن لم يلقه ولهذه العلة قيد الناس مواليد الرواة وتاريخ موتهم).
غير أن ما ذكره السيوطي هنا مما يثبت به فسق الراوي قد افرده غيره في باب مستقل من أبواب ما تسقط به عدالة الراوي وهو الكذب على رسول الله ?
أما حكم رواية من ثبت فسقه فإنها مردودة بإجماع المحدثين والفقهاء. وقد نص ابن حجر على أن من ظهر فسقه فحديثه مردود سواء كان فسقه بالفعل أو بالقول.
¥