هذا بالنسبة إلى عموم اللغة أما المحدثون والفقهاء فانهم حينما يقولون فلان مبتدع فإنما يراد به الذم وما خالف ما عليه الشريعة، وهذا هو الذي يهمنا في بحثنا فللعلماء في المبتدعين والسماع منهم أقوال عديدة.
بحسب حال المبتدع وبحسب بدعته
فالبدع قسمان:
القسم الأول: بدع يكفر بها صاحبها، ولا بد أن يكون ذلك التكفير متفقاً عليه في قواعد جميع الأئمة كما في غلاة الرفض من دعوى بعضهم حلول الإلهية في علي أو غيره أو الإيمان برجوعه إلى الدنيا قبل يوم القيامة فهؤلاء لا خلاف بين العلماء انهم لا تجوز الرواية عنهم تحت أي ظرف من الظرف لأن الإسلام شرط في ثبوت العدالة.
القسم الثاني: بدع يفسق بها صاحبها (كبدع الخوارج والروافض الذين لا يغلون ذلك الغلو، وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصول السنة خلافاً ظاهراً لكنه مستند إلى تأويل ظاهره سائع) وفي قبول رواية من كان على هذه الشاكلة.
إن كان معروفاً في التحرز من الكذب مشهورا بالسلامة من خوارم المروءة موصوفا بالديانة والعبادة خلاف بين المحدثين على النحو الآتي:
المذهب الأول:-
ذهب الإمام أبو حنيفة وأبو يوسف والإمام الشافعي، ويحيى بن سعيد القطان وعلى بن المديني ومحمد ابن إسماعيل البخاري إلى قبول رواية المبتدع سواء أ كان داعية إلى بدعته أم لم يكن. وسواء اروى ما يشيد بدعته أم ما ينقضها، لأن الأصل في قبول الرواية صدق اللهجة وجودة الضبط والسلامة من خوارم المروءة.
- وقد اخرج البخاري في صحيحة لعمران بن حطان وهو خارجي داعٍ إلى مذهبه وهو صاحب الأبيات المشهورة التي يمتدح بها عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي ? والتي يقول فيها:
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
وانما اخرج له كما قال ابن حجر بناءاً على (قاعدته في تخريج أحاديث المبتدع إذا كان صادق اللهجة متديناً).
- واخرج العقيلي في الضعفاء بسنده إلى علي بن المديني قال: قلت ليحيى بن سعيد القطان إن عبد الرحمن يقول اترك من كان رأساً في البدعة يدعو إليها قال يحيى: كيف تصنع بقتادة كيف تضع بابي داود وعمر بن ذر، وعد يحيى قوما ثم قال يحيى ان ترك هذا الضرب ترك ناساً كثيراً.
ورأي هؤلاء مبني على اعتبارين رئيسين:-
الأول: إن الاعتقاد بحرمة الكذب هو الذي يمنع المرء من الإقدام عليه بقطع النظر عن العقيدة التي يحملها. وان الذي يكذب إما لأنه مستحل للكذب أو لأنه غير متدين.
والثاني: إن الضرورة تلجئ المحدثين إلى قبول أحاديث هؤلاء، إذ لو تركت أحاديث جميع أهل الأهواء والبدع لذهب طائفة كبيرة منه. وقد سبق أن نقلنا قول يحيى القطان في ذلك.
يقول علي بن المديني بهذا الخصوص (لو تركت أهل البصرة للقدر وتركت أهل الكوفة للتشيع لخربت الكتب).
المذهب الثاني:-
ذهب طائفة من العلماء منهم محمد بن سيرين، والإمام مالك وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي إلى رد رواية المبتدع مطلقا وقد قال عبد الرحمن: (ثلاثة لا يحمل عنهم الرجل المتهم بالكذب، والرجل كثير الوهم والغلط ورجل صاحب بدعة يدعو الناس إلى بدعته).
وحجة هؤلاء تكمن فيما يلي:-
أولاً: ما أخرجه الخطيب بسنده عن أبي أمية عن النبي ? (من اشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر).
والأصاغر في الحديث هم أهل البدع كما نص على ذلك ابن المبارك فيما أخرجه عنه الخطيب البغدادي.
- (عن أبي صالح محبوب بن موسى وذكر الحديث عن ابن المبارك في اشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر. قال أبو صالح فسألت ابن المبارك، من الأصاغر؟
قال: أهل البدع).
ثانياً: إن المبتدع فاسق ببدعته، وكما استوى في الكفر المتأول وغير المتأول، يستوى في الفسق المتأول وغير المتأول.
ثالثاً: إن البداعة والهوى لا يؤمن معهما الكذب. (فعن ابن لهيعة قال سمعت شيخاً من الخوارج تاب ورجع وهو يقول: إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فأنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثاً).
- (وعن حماد بن سلمة قال حدثني شيخ لهم (بعني الرافضة) تاب قال: كنا إذا اجتمعنا واستحسنا شيئا جعلناه حديثاً).
¥