وإذا أردنا أن نفسر كلام المؤلف في معرفة الشاذ؛ فإن خير ما يفسر به كلامه أن نفسره بكلامه نفسه؛ لأنه لما عرف الشاذ ذكر أن الشاذ هو الذي يخالف راويه الثقات، أو يكون راويه ممن لا يحتمل تفرده.
والذي لا يحتمل تفرده هو الذي فيه ضعف من جهة حفظه، هذا لا يحتمل تفرده بالحديث، يعني: إذا تفرد بالحديث بمفرده؛ فإنه لا يقبل، هذا هو الذي يكون في حفظه ضعف.
وهذا الشطر الثاني غير مراد عندنا في الشذوذ المنفي في الحديث الصحيح؛ لأن الحديث الصحيح يشترط أن يكون راويه ثقة.
وإذا خف ضبط الراوي وهو: الذي لا يحتمل تفرده بالحديث؛ إذا خف ضبطه، أو ضعف ضبطه؛ خرج من حد الحديث الصحيح؛ لأن الراوي أصلا ليس بثقة.
فالجزء الثاني من الشاذ أو من تعريف المؤلف للشاذ: غير مراد عندنا فيما يجب نفيه عن الحديث الصحيح من الشذوذ.
فلم يبق إلا الشطر الأول: وهو الحديث الذي يخالف راويه الثقة، فكلمة: " راويه " هنا تشمل الثقة وتشمل الضعيف، فالضعيف إذا خالف الثقات صدق عليه هذا التعريف، والثقة إذا خالف الثقات صدق عليه هذا التعريف، لكن المراد ها هنا: أن يخالف الثقة من هو أوثق منه.
أما إذا خالف الضعيف من هو أوثق منه فلا يرد عندنا ها هنا؛ لأن من شروط صحة الحديث أن يكون راويه ثقة، فلا مجال لدخول الرجل الضعيف في الحديث الصحيح أصلا؛ فلا يرد على الحديث الصحيح.
فبقي عندنا مخالفة الثقة لمن أوثق منه؛ فيكون مراد المؤلف بالشاذ هنا: أن يخالف الثقة من هو أوثق منه، سواء كان في المتن أو في الإسناد، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- في " مبحث الشاذ " ما يبين هذا.
ولكن الذي ينبغي أن يعلم: ألا يكون الحديث شاذا لا في إسناده ولا في متنه، يعني: لا يأتي الراوي في متن الحديث بما يخالف رواة الحديث الذين هم أوثق منه، الذين هم أوثق منه.
ولا يخالف في الإسناد بمعنى: أنه إذا روى غيره الحديث مرسلا من الأئمة الثقات، رواه الرواة مرسلا، أو رووه موقوفا؛ فرواه مرفوعا.
فإنه حينئذ لو جاءتنا روايته موصولة أو مرفوعة وهو ثقة، لكن غيره من الثقات يروي الحديث موقوفا أو مرسل؛ فإننا نقول: إن حديث هذا الثقة -الذي روى الحديث موصولا أو موقوفا- حديث لم يستكمل شروط الصحة؛ لوجود الشذوذ فيه وهو: " مخالفته للثقات ".
وكذلك لو جاء بلفظة للحديث لم يأت بها إلا هو من بين الأئمة الحفاظ الذين يشاركونه في رواية الحديث؛ فإنه حينئذ تعل، أو يحكم على هذه اللفظة بأنها لفظة شاذة، بأنها لفظة شاذة؛ لأنه لم يأت بها إلا هو من بين الأئمة الثقات.
وهذا المبحث سيأتي تفصيله -إن شاء الله تعالى- في " مبحث الشاذ " حين يورده المؤلف.
فالشذوذ يجب أن يكون منتفيا عن الحديث الصحيح، فالإسناد إذا كان شاذا؛ فإن الوصف الأول من أوصافه يعني: " الشاذ المنفي عن الحديث الصحيح " الشرط الأول: أنه يكون مستوفيا للشروط الثلاثة الأولى.
الإسناد إذا كان شاذا أن يكون مستوفيا للشروط الثلاثة الأولى: يكون رجاله عدولا وضابطين وإسناده متصلا.
فإذا كان الأمر كذلك؛ فإن ظاهر الإسناد فيمن يطلع عليه لأول وهلة يظن أنه صحيح لعدالة رواته وضبطهم واتصال سنده.
ولكن بعد البحث والتدقيق يتبين أن هذا الراوي خالف في سند الحديث، خالف في إسناد الحديث؛ فنحكم على هذا الإسناد الذي يغاير الصحة بأنه " حديث شاذ ".
وكذلك النسبة للمتن: بالنسبة للمتن لا يكون شاذا إلا بعد استيفائه الشروط الثلاثة الأول، وأيضا الشرط الثاني وهو شذوذ المتن: أن يكون سليم الإسناد، غير شاذ الإسناد، أن يكون غير شاذ في الإسناد.
فأحيانا يتبادر إلى الإنسان حديث، أو يأتي الإنسان حديث قد استوفى هذه الشروط: رجاله عدول وضابطون وسنده متصل، والسند سالم من الشذوذ، لكن يكون الشذوذ في متنه؛ لأنه أتى بلفظة لم يأت بها غيره من الحفاظ الذين يشاركونه في رواية الحديث.
والحكم على الشذوذ -الحكم على الإسناد أو المتن بالشذوذ-: لا بد أن يكون فيه الراوي المخالَف، لا بد أن يكون أقل في الثقة من المخالِف.
فتارة يأتي عندنا راويان: أحدهما أضبط من الآخر، كلاهما ثقة ولكن أحدهما أضبط من الآخر؛ فإنه حينئذ يرجح رواية الأضبط، وإن كانا متساويين في العدل.
¥