تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمراد: أعلى مراتب المجمع على صحته، وهذه العبارة تعطينا أن الحديث الصحيح: منه ما هو مجمع عليه، ومنه ما هو مختلف فيه، منه ما هو مجمع على صحته بين الأئمة، ومنه ما هو مختلف في تصحيحه بين الأئمة، وهذا الخلاف ليس عائدا إلى ذات الشروط، فهم -كما سلف- أهل الحديث متفقون على الشروط الخمسة السابقة، وأنه لا بد من توافرها في الحديث، حتى يحكم له بالصحة، ولكن المراد، أو اختلاف العلماء في التصحيح، إنما هو عائد إلى تحقق تلك الشروط في ذلك الحديث، فأحيانا بعض أهل العلم لا يحكم على الحديث بضعف أحد رجاله عنده، بينما يصححه عالم آخر؛ لكون هذا الرجل ثقة عنده، أو يصحح بعض العلماء الحديث بناء على أن سنده متصل؛ لصحة سماع فلان أو فلان عنده، ثم يأتي آخر فلا يحكم لهذا الحديث بالصحة؛ لأنه لا يصحح سماع فلان من فلان، فهذه، أو فاختلاف العلماء في تصحيح الأحاديث ليس عائدا إلى الشروط أنفسها، يعني: ليس عائدا إلى اختلاف في هذه الشروط، وإنما هو عائد إلى تحقق هذه الشروط في الحديث الذي يحكم له بالصحة، أو لا يحكم عليه بالصحة، وهذه العبارة -أيضا- تدل على أن الصحيح مراتب، وأن الحديث كما أنه أقسام: صحيح وحسن وضعيف ودون ذلك، فكذلك الصحيح مراتب:

فمنه ما هو أصح الصحيح، ومنه ما هو أدنى الصحيح، وبين هاتين المرتبتين مراتب، وهذا عائد إلى الرجال أنفسهم وقوة ضبطهم. وكما أن الرجال -فيما سبق- يتفاوتون في الضبط، كذلك الأسانيد تختلف في الصحة، بحسب توافر الشروط فيها، وما ذكره المؤلف في هذه المراتب، إنما هو عائد إلى ضبط الرواة، فبعض الرواة يكون أضبط من بعض، فيكون حديث الأضبط أصح، وإن كان الجميع يطلق على حديثهم بأنه حديث صحيح، لكن هذا التمييز بين مراتب الصحيح، يستفاد منه في الترجيح حين الاختلاف بين الأحاديث: فالحديث الذي بلغ الغاية في الصحة، يقدم على ما هو دونه في المنزلة.

فمراتب الصحيح، أو الصحيح يختلف فيما بينها، بحسب ضبط الرواة، وهذه المراتب التي ذكرها الإمام الذهبي -رحمه الله- ثلاث مراتب:

فالمرتبة الأولى: هذه مرتبة عليا، الرواة فيها ثقات متقنون، وهي سلاسل معروفة ومشهورة، وتمتاز هذه المرتبة بالنظر في رجالها، أن هؤلاء الرجال جميعهم قد خُرج لهم في الصحيحين، قد خُرج لهم في الصحيحين بهذه السلاسل، بمعنى أنك لو أتيت إلى صحيح البخاري -لوجدت فيه حديث مالك عن نافع عن ابن عمر، ولوجدت فيه حديث منصور بن معتمر، عن إبراهيم بن يزيد النخعي، عن علقمة بن قيس، عن ابن مسعود، ولوجدت فيه حديث الزهري عن سالم عن أبيه، ولوجدت فيه حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، فهؤلاء الرواة المذكورون موجودون بهذه السلاسل في الصحيحين، وخرجت لهم أحاديث كثيرة بهذه الأسانيد، وتمتاز هذه المرتبة، أو أهل هذه المرتبة بأن هذه السلاسل وصفها، أو أُطلق عليها بأنها أصح الأسانيد؛ لأن بعض أهل العلم يرى أن أصح الأسانيد على الإطلاق:

مالك عن نافع عن ابن عمر، وبعضهم يرى: أنه الزهري عن سالم عن أبيه، وآخر يرى: أنه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، أو منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، وأيضا ذُكر غير هذه السلاسل بما يقارب ثماني عشرة سلسلة، وصفت بأن، أو ورد عن عالم وصف واحدة منها بأنها أصح الأسانيد، وكونها توصف بأصح الأسانيد، هذا دليل على علو منزلتها وتمام ضبط رجالها، وأنهم مقدمون على غيره.

وتمتاز هذه المرتبة أو أهل هذه المرتبة، بأن الرجال المذكورين فيها لم يمس أحد منهم بما يقدح في عدالته أو ضبطه، فصارت هذه المرتبة التي أوردها المؤلف، أو أهل هذه المرتبة التي أوردها المؤلف -رحمه الله- وهي المرتبة الأولى من مراتب الصحيح -يجمع أهلها ثلاثة أوصاف:

الوصف الأول: أنهم قد خرج لهم في الصحيحين بجميعهم، على هذا النسق الذي ذكره المؤلف رحمه الله.

والثاني: أن هذه السلسلة، أو هذه السلاسل المذكورة وصفت بأنها أصح الأسانيد. الثالث: أن ما ذكر من هؤلاء الرجال، لم يمس أحد منهم بجرح يقدح في ضبطه، فضلا عن عدالته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير