تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

*وأمّا المغالطات: فعبارة الشيخ محمد هذه من الهُراء الذي لطّخ به نقضه هذا، ممّا لا يوافقه عليه أهل الإنصاف والعقول السليمة ممن تذوّق هذا الفنّ، لما لا يخفى أن المغالطة هي إخفاء الحق عن الخصم بعد ما تبيّن للمخالف الحق، وهي غالبا ما تكون من منتحلي البدع، ومتعصبة المذاهب، ثم فيها تقليل من شأن القرّاء الذي وقفوا على الكتاب وكأنّ الفهم السديد انحصر عنده، و لا أدري ما الدافع لمثل هذا التعبير، أهو حب الخلاف الذي ابتلي به كثير من أهل هذا العصر؟! أم هو التطاول على الكبار ليرتفع بعد ذلك من هو دونهم؟! و لا إخال الشيخ محمّدا منهم، أم شدة الأسلوب وغيرة الشيخ على الأئمة الذين لم يسعفهم التوفيق في هذه المسألة، وهذا هو الظاهر المظنون بأمثاله، وأظنّ أنّ انقطاع الشيخ محمّد عن المشاركة في مجال التجديد في هذا الفن جعله يرجع القهقرى، ليعود غير مستسيغ لمثل هذا الطرح الذي كان في يوم من الأيام أحد أنصاره.

وأمّا مناقشتي لما ذكره الشيخ في نقضه، فأقول:

أوّلاً:

*إنّ ما ذكره شيخنا حفظه الله في إجماع المحدثين من أدلة على ذلك، والتي تربوا على الأربعة عشر دليلا ـ وبعضها أقوى من بعض ـ وقبل ذلك في شرحه على مقدمة ابن الصلاح، تكفي لطالب الإنصاف، بل من أقوى الأدلة على ذلك، ما كان سببا في الرأي الذي اختاره الشيخ، والدّافع إلى تلكم الدراسة، وهو سبب القول بذلك الخلاف المدّعى، وهو الإشكال الذي يطرح نفسه، وهو خير مثال يبيّن مدى الفرق بين قراءة الشيخ للنصوص المتقدّمين من قراءة غيره، وهو: هل يمكن أن يكون الإمام مسلم رحمه الله قد قصد بعبارته التي ذكرها في مقدمة صحيحه ـ والتي تصرخ بأنّ حامل هذا الرأي (اشتراط العلم بالسماع فيما رواه الثقة غير المدلّس) ليس من أهل العلم بالحديث، ولولا خشية أن يفتتن بقوله من لا علم له من الناس، لما اشتغل بالردّ عليه، لأنّ في الردّ عليه رفعة لشأنه ـ أن يكون قصد بذلك شيخه البخاري، أو حتى شيخَ شيخه عليَّ بن المديني رحم الله الجميع؟؟؟!!!!.

*إنّ من كان له أدنى إلمام بمسائل علم الحديث عَلِمَ عِلْمَ اليقين أنّه يستحيل أن يكون الإمام مسلم قصد بذلك شيخه البخاري رحمه الله الذي يعد أوّل شيوخه الذي تخرّج على يديه، والذي نعته بقوله: يا أستاذ الأستاذين طبيب الحديث في علله، حتّى قال الدار قطني: لولا البخاري لمل راح مسلم ولا جاء.

*لا يمكن أن يكون المقصود بكلام مسلم البخاريَّ ولا شيخَه عليَّ بن المديني رحمة الله على الجميع، وإذا كان كذلك فحُقَّ للشيخ حاتم أن يستبعد أن يكون هذا الرأي هو مذهب البخاري رحمه الله، أو مذهب شيخه.

*ثمّ هل للبخاري أو حتى غيره أن يخالف من تقدّمه من أهل الحديث في هذا الباب فيشترط ما لم يجر عليه عمل أهل الحديث، و لا أظنّ أنّ الشيخ محمّدا يخالف في أنّ جمهور أهل الحديث على عدم اشتراط العلم بسماع الرّاوي الثقة غير المدلّس ممن فوقه على الأقل، ويكفي هذا القول قدحا في مكانة البخاري.

*ثمّ ليعلم الشيخ محمد أنّ البخاري وغيره من أهل الحديث ممّن هو في طبقته أو فوقه بقليل مقلّدون في هذا الباب غالبا لأئمة النقد المتقدّمين، وأعني مسألة العلم بالسماع من عدمها، فهي مسألة ليست من باب الاجتهاد في الأعم الأغلب، بل مستندها النقل، خاصة في الرّواة الذي تقدّمت وفاتهم، فالبخاري مثلا إذا جاء إلى ترجمة راو في التاريخ الكبير مثلا وذكر أنه روى عن فلان وفلان وفلان ولم يسمع من فلان شيئا أو إلاّ حديث كذا وكذا، فمستنده في هذا النقل، وعليه فالرواة الذي سكت عنهم ولم يصرح بعدم سماع المترجم له منهم، ليس معناه أنّه وقف على ما يدلّ على سماعه منهم، وهكذا إذا صحح حديثا من هذا القبيل، لا يعني أنّه وقف على السماع، و لا أحد يستطيع أن يقيم الدليل على مثل هذه الدعوى التي يرفضها العقل، لعدم إمكان تحققها من حيث الواقع، لأنّه لو قُدِّر للبخاري أن يعيش مثلي عمره لما أمكنه أن يستثبت من سماع كلّ راو من جميع شيوخه وهكذا كلّ شيخ عن شيوخه وإن علا، ولكن لأنّ الأصل في الرّاوي إذا كان ثقة غير مدلّس أن يكون سمع ممن فوقه إذا أمكن اللقاء، وأمّا الرواة الذين صرّح بعدم سماعه منهم، أو أطلق عدم علمه بسماعهم من شيوخهم، فلثبوت ذلك عن أهل الشأن، ولما يحتف بذلك من قرائن معلومة كعدم الرحلة وبعد الديار وما شابه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير