الذي ينفر ولا يبشر ويجرح شعور القراء ويؤذيهم، هذا الأسلوب الذي لا نرتضيه في مسائل الاعتقاد، فكيف في مسألة حديثية جزئية ليس فيها نصوص شرعية
هذا تهويل يدرك تهافته كل منصف قرأ المقدمة، ومن عادة صاحبنا أنه يطلق أحكاما بدون دليل اللهم إلا رنات إنشائه وتشنجه فيها.
فأين التنفير في هذه المقدمة؟ وأين ما يجرح فيها الشعور؟
وعاد ليخلط بين العلوم التي يطلب فيها النص الشرعية، وما يطلب فيه نص أهل الاصطلاح.
وما النص الشرعي الذي استدل به سيبويه في قوله: " هذا باب علم الكلم من العربية فالكلم: اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل". وهل هو صحيح؟ أم ليس بصحيح حتى يستدل عليه بنص شرعي؟
قال:
أما أنا فقد استفدت من منهج اتباع الدليل وترك التقليد أن لا ألزم أحدا بشيء لم يرد به نص صحيح صريح،
إن قصدت أن المسألة لم يرد فيها نص شرعي صحيح فقد كررنا مرارا أنها ليست من المسائل التي يطلب فيها النص الشرعي، وإن قصدت النص الاصطلاحي فهو موجود في مقدمة صحيح مسلم، ومعرفة علوم الحديث للحاكم.
قال:
وأن لا أعنف على أحد اتبع قول إمام مع معرفة حجته، وكيف ألزم غيري بشيء قد أرجع عنه، كيف يكون لي التعنيف ولا يكون له هو هذا الحق، وتعلمت أيضا أن لا أدعي امتلاك الحقائق المطلقة التي لا تقبل النقاش.
ليت هذا الكلام صدقه الفعل لكن ويا أسفى قد خالف فعلك قولك، فعنفت على العلامة العوني حتى وصلت المسألة التعنيف إلى " عنزة ولو طارت "
قال معلقا على قول العوني:
): «وإن كنت أعلم ولم أزل أعلم من ضعف الإنسان وجهله ما يمكن معه أن يحيف الحيف العظيم، وهو يحسب أنه على الصراط المستقيم» …؟؟
ألا يمكن معالجة القضية بأسلوب أرفق من هذا.
سوء فهم الرجل يتحدث عن نفسه فما ذا لو قسى عليها؟!!
ثم إن التعبير الذي عبر به أرى أنه أصدق ما يمكن عما يريد ولا أرى تعبيرا آخر أجمل منه أو يساويه.
قال:
ولو شنع عليه مشنع لكانت له حجة، لأن الله تعالى يقول: (الشورى:40).?وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا
أين السيئة التي أساءها العوني إلى أحد في بحثه حتى تكون الآية منطبقة عليه، ألا تعلم أن الاستدلال بالنص على غير موضعه منهج أهل البدع والضلالة.
قال:
لماذا كل هذه الثقة والاعتداد بالنفس وكل هذه الأحكام الخطيرة؟ لقد ذكرتني العبارة الأخيرة بحكم بعضهم بالزندقة على من يرى أن مسلما رتب أسانيد الأحاديث في كتابه بحسب القوة، وأنه ربما أبدى بعض العلل في صحيحه، بمثل هذه الأحكام تتنافر القلوب بعد ائتلافها، ويتربى الشباب على التعصب ويتمرنون على التبديع وإقصاء المخالف، حتى أصبحنا نسمع بمن يبدع غيره لأنه خالف ابن حجر في تعريف الحديث الشاذ.
أعجب ما في نقض محمد عيسى بتر نصوص العوني من سياقها وتوجيهها الوجهة التي يهوى، ليحشر الشيخ في زمرة قوم عنا الشيخ منهم وهم المقصودون بكلامه الذي بتر الكاتب، ونحن نسوق كلام العوني كاملا ليكون القراء حكما عليه هل يدل على ما قال الشيخ محمد عيسى
أم للكلام وجهة أخرى.
قال العلامة العوني:
" وإني من خلال هذه المسائل، وما تضمَّنَتْهُ من عَرْض، لأرجو أن أكون قد نصحتُ للسنة النبويّة، ولطلبة علومها، وللمسلمين عمومًا.
وأُذكّر كُلَّ قارىء لهذا الكتاب أن ينصح لنفسه، بحُسْن القراءة، وتمام التَّفَهُّم، والتجرُّدِ من الإلف العلميّ، والتحرُّر من قيود التقليد. وأن يُقبل على القراءة وهو مستعدٌ لتغيير أيِّ اعتقادٍ سابقٍ دَلَّهُ الدليلُ على بُطلانه، لا أن يُقْبِل جازمًا بخطأ الكاتب، باحثًا عن العثرات، راغبًا في اكتشاف الزلات. وأن يحرص على مخالفة سَنَنِ الذين في قلوبهم زيغ، فلا يَتَّبعُ المتشابهَ، بل يردُّ المتشابهَ إلى المُحْكَمِ. وعليه بعد ذلك من واجب إحسان النيّة، وحَمْل الكلام على أفضل مَحَامِله، وعلى الصواب ما أمكن= ما يأثم بعدم قيامه به.
فإن خالف أحدٌ هذه الأخلاق، فليعلم أنه أوّل مخذول، فالحق أبلج، والدين محفوظ، فلن ينفعه أن يشنّع على الحق، ولا أن يسعى في تخريب علوم الدين .. ولا بأي حُجّة، ولو ركب كل مركب، فليُرحْ وليسترحْ!!!
أسأل الله تعالى لي وللقراء علمًا نافعًا، وعملاً صالحًا مُتَقبَّلاً، وخاتمةً حسنة ".
¥