تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكأن طالب العلم ليس من هَمِّه إلا أن يعرف رأي الحاج عيسى فقط، ولو من غير دليل!

أمَّا تحرير المسألة في نفسها، وإقامة الأدلة عليها، والجوابُ عن أدلة القول المخالفِ القائمِ بأدلته = فليستْ مِن هَمِّ طالب العلم عند الحاج عيسى!!

فهل يعتبر الحاج عيسى التحريرَ العلمي للمسائل، وإيفاءَها حقَّها من البحث = كثرةَ لغطٍ تفضي إلى الغلط؟!

أم أن هذه المسائل ليستْ محرَّرةً عنده ولكنه وجدها فرصةً لتسجيل موقف في خصومة الشيخ حاتم ليقال عنه: ردَّ على حاتم! و نقض على حاتم! وتعقب حاتماً؟!

ما الفائدة الجليلة التي أضافها الحاج عيسى لطالب العلم حين عرَّفه أقوالاً له مجرَّدةً يخالفُ بها الشيخ حاتم الشريف؟!!

هل أصبحتْ أقوال الحاج عيسى بمجرَّدِها علماً نافعاً يحسِم كلَّ خلافٍ في كلِّ مسألة؟!!

إنَّ العلمَ الحقَّ هو في التحرير الوافي للمسائل العلمية، لأن هذا حقُّ العلم وحقُّ أهله، خصوصاً في مقام النقض والردِّ والتعقيب.

أمَّا التعقيب على المخالف في مقام الردِّ بقولٍ مجرَّدٍ، دون برهانٍ عليه، ودون جوابٍ عن دليل المخالف وعن السؤالات الواردة على هذا القول = فلا يسمى نقضاً ولا ردَّاً ولا تعليقاً، وإنما هو مَتْنٌ مختصرٌ لأقوال الحاج عيسى في مسائل من العلم يُُكتب في حال التقرير لا في حال الرد!

وَلْنَقف مع هذه التعليقات لنرى ماذا وراء مجرَّدِ رأيِ الحاج عيسى من بحثٍ لهذه المسائل:

*****

أما عن تشدد القطان فلم يأت فيه إلا بنقيض مراده!!

فإنه نقل عن علي بن المديني قوله: (سألت يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو بن علقمة: كيف هو؟ قال تريد العفو أو تشدد؟ قلت بل أشدد، قال: فليس هو ممن تريد).

وتمام النَّص الذي استدل به كالتالي: (قال علي: قلت ليحيى: محمد بن عمرو كيف هو؟ قال: تريد العفو أو تشدد؟ قلت: لا بل أشدد، قال: ليس هو ممن تريد، وكان يقول: حدثنا أشياخنا أبو سلمة، ويحيى ين عبد الرحمان بن حاطب.

قال يحيى: وسألت مالكاً عن محمد بن عمرو فقال: فيه نحوا مما قلت لك.) تهذيب الكمال للمزي - (ج 26 / ص 215)

ولي هنا وقفات:

أولاً: أسأل متعجباً: مَن الذي تشدد؟ القطانُ أم ابن المديني؟!

ومَن الذي خَيَّر بين الأمرين: العفوِ والتشددِ؟ القطانُ أم ابن المديني؟!

ومن الذي اختار التشدد على العفو؟ القطانُ أم ابن المديني؟!

ولو اختار ابن المديني العفو فما المانع أن يجيبه القطان على العفو؟!

انظر كيف انقلب الأمر! فأصبح الذي خَيَّر بين العفو والتشدد متشدداً، ومَن اختار التشدد معتدلاً! (إلا إن كان يرى عليَّ بن المديني متشدداً).

ثانياً: إذا كان هذا النص دليلَ تشددِ يحيى القطان فيلزم من ذلك أن نُلحق به عليَّ بن المديني والإمامَ مالكاً! لأن علياً بن المديني اختار التشدد على العفو، والإمامَ مالكاً وافقَ قولُه قولَ القطان، فهما متشددان مثلَه!

ثالثاً: لم يخبرنا الحاج عيسى: ما هي دلالة قول القطان: (ليس هو ممن تريد)؟ وما هو الذي يريده علي بن المديني؟

ألا يُحتمل أنْ يريد أعلى درجاتِ الحفظ والإتقان؟ وبذلك لا يكون هذا تضعيفاً للراوي، بل يكون حكماً موافقاً لأحكام عددٍ من الأئمة لم يوصفوا بالتشدد:

فقد قال الحاكم: قال ابن المبارك: (لم يكن به بأس).

وقال ابن سعد: (كان كثير الحديث يستضعف).

وقال يعقوب بن شيبة: (هو وسط وإلى الضعف ما هو).

وقال ابن عدي: (له حديث صالح وقد حدث عنه جماعة من الثقات كل واحد يتفرد عنه بنسخة ويغرب بعضهم على بعض وروى عنه مالك في الموطأ وأرجو أنه لا بأس به).

وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ.

و إذا اعتبرنا هذه الكلمة تضعيفاً حقيقياً لا نسبياً فكيف نجمع بينها وبين قول القطان: (محمد بن عمرو رجل صالح ليس بأحفظ الناس للحديث)؟!

رابعاً (وهو المهِم): كيف استفاد الحاج عيسى من هذا النقل الفَرْد أنَّ تشددَ القطان في المنهج وليس في العبارات فقط؟!

أم أن طالب العلم لا يعينيه إلا أن يعرف ما قال الحاج عيسى فقط؟!

ولو أنه استدل بما استدل به الأخ الذي اعترض على الشيخ حاتم في المجلس لكان أقرب، مع أن استدلاله ليس بواردٍ، لأن الشيخ حاتم يعتبر التقسيمَ قرينةَ ترجيحٍ عند التعارض.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير