[رد الإباء من وصف المحدثين بالصيادلة والفقهاء بالأطباء]
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[24 - 07 - 07, 07:27 م]ـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعدهُ وبعد.
فمنذ أيامٍ سمعتُ أحد مشايخي الفضلاء وهو يعترض على مقولة: (إن الفقهاء كالأطباء والمحدثين كالصيادلة) ويقول كيف يكون أهلُ الحديثِ أقلَّ من غيرهم في استنباط الأحكام من الأحاديث التي هي عُدة أهل الحديث؟!
وفي الحقيقة لم يلق ذهني القبول لما قاله على الرغم من أنني لم أك قد بحثت المسألة قبلُ ولكنني بمجرد التفكير اليسير وجدتُ أن المثال صالح لا مُشاحة فيه.
والاّن بعد أن بحثتُ في المسألة - ولو قليلا - توصلتُ إلى النتائج الاّتية:
1 - أن هذه المقولة لها أدلة من السنة النبوية المطهرة ومنها:
أ - ما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه عن أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ "
ب - ما رواه أبو داود والترمذي رحمه الله عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ "
2 - قد يعترض معترض ويقول ولماذا حكمت على المحدثين بأنهم ضِعاف في الفقه أو على الفقهاء بأنهم ضعاف في الحديث؟
فأقول كلامي هنا منصب إما على الفقيه فقط أو المحدث فقط، لكن هناك طبقة أرقى منهما وهي طبقة (الفقهاء المحدثين) و لا شك أن هذه الطبقة َ هي الطبقةُ الأعلمُ و الأقدرُ على الفتيا و استنباطِ الأحكامِ، وهي المكانةُ التي ينبغي أن يرنوَ إليها كل طالب علم، فهؤلاء هم (الأطباء الصيادلة) ومن أشهرهم الإمامُ مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد وابن حجر العسقلاني والنووي وابن رجب وابن تيمية وابن القيم رحمهم الله جميعا.
3 - هذه الحقيقة نلمسها جميعا فإنكارها يكون إنكارا لشيءٍ ثابتٍ موجودٍ! فنحن نجد أن هناك جهابذةً في الحديث لهم بصر بأخفى العلل الحديثية ومع ذلك تخفى عليهم أقل الاستدلالات الفقهية!
وأيضا تجد فقهاءَ نحاريرَ ومع ذلك متونهم الفقهيةُ مليئة بالموضوعات والمنكرات وربما خفيت عليه علة يستطيع طالب علم الحديث المبتدىء أن يتبصر بها!
4 - كلامي هذا لا يعني أن المحدثين يحفظون الأحاديث كما تحفظها الأعاجم أو الصغار لا بل هم يفهمون معانيَها جيدا، إنما نتحدث عن القدرة على الاستنباط وأخذ الأحكام من النص.
5 - وأخيرا فإن هذه المقولة ليست بدعا من القول بل إنها وردت عن أكابر السلف ومما وقفتُ عليه ما يلي:
أ - قال الربيع: سمعت الشافعي قال لبعض أصحاب الحديث: أنتم الصيادلة، ونحن الاطباء. (سير أعلام النبلاء ج10 ص23 نسخة المكتبة الشاملة)
ب - قال الاعمش لابي حنيفة يا نعمان ما تقول في كذا كذا قال كذا وكذا قال من أين قلت قال أنت حدثتنا عن فلان بكذا قال الاعمش أنتم يا معشر الفقهاء الاطباء ونحن الصيادلة. (انظر القصة بإسنادها في ثقات ابن حبان رحمه الله ج8 ص467 الشاملة)
ج- قال الإمام أحمد بن حنبل: " كان الفقهاء أطباء والمحدثون صيادلة فجاء محمد بن إدريس الشافعي طبيبا صيدلانيا ما مقلت العيون مثله أبدا " (انظر المقولة بإسنادها في تاريخ دمشق لابن عساكر رحمه الله ج51 ص 334 نسخة المكتبة الشاملة)
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اّله وصحه وسلم.