ثَانِيهَا: أَنَّ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ إِنَّمَا شُرِّفَ لِوُقُوعِ أَعْمَالِ الْحَجِّ فِيهِ، وَبَقِيَّةُ أَعْمَالِ الْحَجِّ تَقَعُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّاتِهِ فَصَارَتْ مُشْتَرِكَةً مَعَهَا فِي أَصْلِ الْفَضْلِ، وَلِذَلِكَ اِشْتَرَكَتْ مَعَهَا فِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي كُلٍّ مِنْهَا، وَبِهَذَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ إِيرَادِ الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي صَدْرِ التَّرْجَمَةِ لِحَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا.
ثَالِثُهَا: أَنَّ بَعْضَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ هُوَ بَعْضُ أَيَّامِ الْعَشْرِ وَهُوَ يَوْمُ الْعِيدِ، وَكَمَا أَنَّهُ خَاتِمَةُ أَيَّامِ الْعَشْرِ فَهُوَ مُفْتَتَحُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَمَهْمَا ثَبَتَ لِأَيَّامِ الْعَشْرِ مِنْ الْفَضْلِ شَارَكَتْهَا فِيهِ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهَا بَلْ هُوَ رَأْسُ كُلٍّ مِنْهَا وَشَرِيفُهُ وَعَظِيمُهُ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ". اهـ
وهذا التوجيه أقل ما فيه أنه يزيل اللبس في مسألة: تعدد النسخ، واختلاف ألفاظها، وكيفية الترجيح بينها.
فالأمر لا يعدو كونه اختلافا في بعض نسخ الكتاب، لا أصله، الذي وصل إلينا بالتواتر، ولو كان الخلاف في قرون الرواية الشفوية قبل أن تدون الأحاديث في المصنفات، لزال الإشكال بهذا الترجيح بعد أن تعذر الجمع، فكيف والترجيح الآن بين نسخ من أصل واحد وقع فيها بعض الاختلاف، تماما كالاختلاف الذي يقع من النساخ لكتاب واحد في بعض مواضع منه، ولذا يلجأ المحقق، إلى الاعتماد على عدة نسخ خطية، فيقول: زاد فلان في نسخة كذا: كذا ....... إلخ، وكلما زاد عددها زادت جودة تحقيقه.
وبقيت مسألة أشار إليها الشيخ الدكتور: محمد بن عبد الكريم بن عبيد، حفظه الله، أستاذ السنة النبوية وعلومها المشارك بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، بقوله:
"إن الصلة بين نسخ البخاري، وبين رواياته صلة وثيقة، والذي يبدو لنا أن البخاري رحمه الله تعالى كانت له نسخه ترك فيها بعض البياضات، ولعل مرد ذلك أنه كان يؤلف كتبه أكثر من مرة، وهذا من عنايته ودقته في التصنيف، فإنه ما زال ينقح ويراجع ما يكتبه ويرويه حتى يطمئن قلبه إلى الوضع الأخير لكتبه، (وهذا حال كثير من المصنفين الذين ينقحون كتبهم باستمرار ولعل أشهرهم مالك، رحمه الله، الذي كان دائم التنقيح لـ: "الموطأ"، ولهذا تعددت رواياته) ... ونظراً للظروف التي ألمت به، فجعلته ينتقل في البلدان، حتى أدركته المنية، وهو بعيدٌ عن مكتبته ومصادره، لم يتسع له المجال لإتمام هذه البياضات.
لذا فإن الصلة بين نُسخة الإمام البخاري لكتابه ((الجامع الصحيح))، وبين رواياته المختلفة بقيت صلة متلازمة لا يمكن الفصل بينهما. اهـ
" روايات ونسخ الجامع الصحيح للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، 194 - 256 هـ، دراسة وتحليل".
ثم ذكر قول المستملي رحمه الله: "قال المستملي: انتسخت كتاب البخاري من أصله، كما عند ابن يوسف، فرأيته لم يتم بعد، وقد بقيت عليه مواضع مبيّضة كثيرة، منها: تراجم لم يثبت بعدها شيئاً، ومنها: أحاديث لم يترجم عليها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض"
فكأن البخاري، رحمه الله، قد أخلى أبوابا من صحيحه مقتصرا على تراجمها، رجاء أن يقع له ما هو على شرطه فيرويه فيها، ولم يترجم لبعض الأبواب، إما سهوا، وإما اعتمادا على وضوح مناسبتها في الكتاب الذي رويت فيه ........... إلخ، فجاء بعض المتأخرين كالمستملي، فاجتهدوا في ضم بعضها إلى بعض، لا أنهم أضافوا أحاديث ليست في الأصل، ولو حصل ذلك في عصرنا، مع قلة الرواية وندرة المحدثين لتفطن له آحاد طلبة العلم ممن لهم عناية بالصحيح، فكيف بأولئك الذين عاشوا في عصور ازدهرت فيها الرواية حتى كان عوام المسلمين يحملون إجازات في سماع كتب الأصول بأسانيدها المتصلة، وهو أمر يتعذر على كثير من علماء زماننا.
وهذا المنهج في معالجة اختلاف روايات الصحيح، يمكن استعماله في معالجة اختلاف روايات بقية كتب الأصول.
والله أعلى وأعلم.
*****
ـ[سامي الفقيه الزهراني]ــــــــ[23 - 08 - 07, 11:23 م]ـ
يقول أخي المهاجر:
لو قام أحد إخواننا ممن درسوا هذه المسألة بتوسع، بمراجعة هذا الرد وتصويب أخطائه ... (فأكون له من الشاكرين) ..