تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بعض الجيش، وأمر بأحمال من التبن والبعر والروث فحملت معه، وسار إلى قريب من يوم في الماء مصعدا، ثم أمر بإلقاء تلك الأحمال في النهر، فلما مرت بكسرى ظن هو وجنده أنهم قد خاضوا من هنالك، فركبوا في طلبهم فشغرت المخاضة عن الفرس، وقدم قيصر فأمرهم بالنهوض في الخوض، فخاضوا وأسرعوا السير ففاتوا كسرى وجنوده، ودخلوا القسطنطينية. وكان ذلك يوما مشهودا عند النصارى، وبقي كسرى وجيوشه حائرين لا يدرون ماذا يصنعون. لم يحصلوا على بلاد قيصر، وبلادهم قد خربتها الروم وأخذوا حواصلهم، وسبوا ذراريهم ونساءهم. فكان هذا من غلب الروم فارس، وكان ذلك بعد تسع سنين من غلب الفرس للروم.

وكانت الواقعة الكائنة بين فارس والروم حين غلبت الروم بين أذرعات وبصرى، على ما ذكره ابن عباس وعكرمة وغيرهما، وهي طرف بلاد الشام مما يلي بلاد الحجاز.

وقال مجاهد: كان ذلك في الجزيرة، وهي أقرب بلاد الروم من فارس، فالله أعلم.

ثم كان غلب الروم لفارس بعد بضع سنين، وهي تسع ; فإن البضع في كلام العرب ما بين الثلاث إلى التسع. وكذلك جاء في الحديث الذي رواه الترمذي، وابن جرير وغيرهما، من حديث عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر في مناحبة (الم غلبت الروم) ألا احتطت يا أبا بكر، فإن البضع ما بين ثلاث إلى تسع؟ "، ثم قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

وروى ابن جرير، عن عبد الله بن عمرو: أنه قال ذلك.

وقوله: (لله الأمر من قبل ومن بعد) أي: من قبل ذلك ومن بعده، فبني على الضم لما قطع المضاف، وهو قوله: (قبل) عن الإضافة، ونويت.

(ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) أي: للروم أصحاب قيصر ملك الشام، على فارس أصحاب كسرى، وهم المجوس. وقد كانت نصرة الروم على فارس يوم وقعة بدر في قول طائفة كبيرة من العلماء، كابن عباس، والثوري، والسدي، وغيرهم. وقد ورد في الحديث الذي رواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والبزار، من حديث الأعمش، عن عطية عن أبي سعيد قال: لما [ص: 304] كان يوم بدر، ظهرت الروم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين وفرحوا به، وأنزل الله: (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم).

وقال آخرون: بل كان نصرة الروم على فارس عام الحديبية; قاله عكرمة، والزهري، وقتادة، وغيرهم. ووجه بعضهم هذا القول بأن قيصر كان قد نذر لئن أظفره الله بكسرى ليمشين من حمص إلى إيليا - وهو بيت المقدس - شكرا لله عز وجل، ففعل، فلما بلغ بيت المقدس لم يخرج منه حتى وافاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه مع دحية بن خليفة، فأعطاه دحية لعظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر. فلما وصل إليه سأل من بالشام من عرب الحجاز، فأحضر له أبو سفيان صخر بن حرب الأموي في جماعة من كفار قريش كانوا في غزة، فجيء بهم إليه، فجلسوا بين يديه، فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: أنا. فقال لأصحابه - وأجلسهم خلفه -: إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذب فكذبوه. فقال أبو سفيان: فوالله لولا أن يأثروا علي الكذب لكذبت. فسأله هرقل عن نسبه وصفته، فكان فيما سأله أن قال: فهل يغدر؟ قال: قلت: لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها - يعني بذلك الهدنة التي كانت قد وقعت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفار قريش يوم الحديبية على وضع الحرب بينهم عشر سنين، فاستدلوا بهذا على أن نصر الروم على فارس كان عام الحديبية; لأن قيصر إنما وفى بنذره بعد الحديبية، والله أعلم.

ولأصحاب القول الأول أن يجيبوا عن هذا بأن بلاده كانت قد خربت وتشعثت، فما تمكن من وفاء نذره حتى أصلح ما ينبغي إصلاحه وتفقد بلاده، ثم بعد أربع سنين من نصرته وفى بنذره، والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير