والأرض تدور كذلك حول الشمس في مدار إهليلجي بحسب القانون نفسه، فتكون الأرض أبعد ما تكون عن الشمس وفي أقل سرعة لها في 21/ 6 وفي 21/ 12 من كل سنة وتكون أقرب ما تكون من الشمس وفي أقصى سرعة لها في 21/ 3 وفي 23/ 9.
فإذا أصبح مركز كل من الشمس والأرض والقمر على خط واحد سُمي ذلك: الاقتران المركزي، وفي هذه الحالة فإن الوجه المضيء من القمر الذي يواجه الشمس لا يواجه شيءٌ منه الأرضَ، فلا تمكن رؤية شيء منه، ويسمى هذا الوضع أيضا: المحاق، وذلك لانمحاق أي: انعدام رؤية أي شيء من القمر.
ويحدث الاقتران بمعدل كل: 29 يوما و12 ساعة و44 دقيقة وثانيتان و87% من الثانية، وهذا هو متوسط الشهر القمري، أي إن متوسط الشهر القمري هو: 29.53 يوما.
ومن المستحيل أن تكون أكثر أشهر السنة 29 يوما، أو أن يكون رمضان أو أي شهر آخر في أغلب السنوات – لسنوات طويلة - تسعة وعشرين يوما، لأن متوسط الشهر القمري أكثر من تسعة وعشرين يوما ونصف اليوم، فاحتمال كون الشهر ثلاثين يوما هو 53%، بينما احتمال كونه تسعة وعشرين يوما هو 47%، ولهذا السبب كان الأمر النبوي بإكمال الشهر إذا غم على الناس لأن غالب الأشهر ثلاثون يوما.
ولذلك فإن علماء الفلك يعلمون علم اليقين اليومَ والساعة والدقيقة بل والثانية التي يتم فيها الاقتران المركزي، وكل هذا معلوم لعشرات السنين القادمة، وهو معلن ومنشور، ويعرفه أهل الاختصاص والمهتمون بذلك.
وهذا الاقتران المركزي يتم في اللحظة ذاتها لكل الكرة الأرضية، أي لا يختلف باختلاف المطالع، وموعده - كما ذكرت سابقا - أمر قطعي لا يختلف فيه المتخصصون.
وإذا حدث الاقتران قبل منتصف الليل - بتوقيت جرنيتش - فيعد ذلك ولادة الهلال، وهو بداية الشهر فلكيا، ولكنه ليس بداية الشهر شرعيا، لأنه تستحيل رؤية الهلال في هذه الحالة، ولا بد لبداية الشهر شرعا من رؤية الهلال الجديد بعد غروب الشمس، أو إمكان رؤيته بحسب الحساب، وبين الولادة بالمعنى الفلكي للهلال والولادة بالمعنى الشرعي يوم كامل غالبا، ولذلك فمن الخطأ اعتماد الاقتران المركزي بداية للشهر شرعا.
وإذا حدث الاقتران المركزي وقت غروب الشمس فإن القمر في هذه الحالة يغيب مع غياب الشمس غالبا، وتستحيل رؤيته لأن الوجه المضيء للقمر بأكمله باتجاه الشمس، وليس مقابل الأرض إلا الوجه المظلم.
أما إذا حدث الاقتران المركزي قبل غياب الشمس بعدة ساعات فإن القمر يغيب بعد الشمس بوقت قصير لا يكفي لإمكانية رؤيته، فإن سرعة الشمس الظاهرية أكبر من سرعة القمر كما يراهما المراقب من فوق سطح الأرض، وفي حالات نادرة يغيب قبل الشمس كما حدث في هلالي شهري رمضان وشوال لعام 1427هـ.
ومتوسط الزمن الذي يتأخره القمر عن الشمس كما يراه الإنسان من الأرض حوالي 48 دقيقة في كل يوم، ومعنى هذا أن القمر يتأخر عن الشمس بمعدل دقيقتين في كل ساعة، فإذا تم الاقتران قبل غروب الشمس بخمس ساعات فإن القمر سيغيب بعد الشمس بعشر دقائق، وهذا بشكل متوسطي، وفي هذه الحالة أيضا تستحيل رؤية الهلال الجديد لأمرين:
أولهما: أن الجزء المواجه للشمس والأرض معا، أي الجزء المضيء من القمر بالنسبة لمن هو على سطح الأرض صغير جدا جدا لا يساوي إلا حوالي جزءا من سبعين جزءا من القمر بدرا.
ثانيهما: أن الهلال الصغير هذا يكون قريبا جدا من الشمس، وهو في مجالها الضوئي القوي، بحيث تكون أشعتها في الأفق بعد الغروب بعدة دقائق أقوى من ضوء الهلال الوليد.
ولذلك فمن المستحيل أن يرى الهلال إلا إذا تأخر غيابه عن غياب الشمس بما لا يقل عن (29) دقيقة، وهذا يعني أن يكون قد مضى على الاقتران حوالي (15) خمس عشرة ساعة على الأقل، وقد لا يُرى إلا بعد حوالي ثلاثين ساعة من الاقتران المركزي، وهذا يرجع إلى عدة متغيرات، منها موقع القمر من الأرض، وموقع الأرض من الشمس، لأن ذلك الموقع قربا أو بعدا يؤثر على سرعة كل منهما.
¥