ومن الجدير بالذكر أن هذه المعلومات والأرقام قد وضعت بعد مراقبة مستمرة - لمئات السنين - من قبل كثير من المراصد، ومن قبل كثير من الهواة الذين يراقبون الهلال في مختلف أنحاء العالم وبخاصة - للأسف الشديد - العالم غير الإسلامي، وإن أقل زمن أمكنت رؤية الهلال فيه بعد الاقتران يعد من الأرقام القياسية التي تسجل، وإذا ثبت أن أحدا رأى الهلال بعد الاقتران بزمن أقل فإن هذا الرقم الجديد يسجل، ولكن الأمر بلغ من الدقة أن الرقم الجديد لا يختلف عن الرقم القديم إلا بالدقيقة أو أجزائها.
وتستحيل رؤية الهلال بعد الغروب - وهي الرؤية المعتبرة شرعا - إذا رئي صباحا قبل طلوع الشمس، لأن هذه الرؤية تعني أن الاقتران لم يحدث بعد، وأن القمر لازال - كما يُرى من فوق الأرض - أمام الشمس، وهذا يعني أنه لا بد من مرور 15 ساعة على الأقل حتى يحدث الاقتران، وإلى 15 ساعة أخرى بعد الاقتران لتمكن رؤيته، ويجب مرور هذا الوقت كله وهو ثلاثون ساعة على الأقل ما بين رؤيته قبيل طلوع الشمس وما بين بعيد غروب الشمس، وهذا مستحيل حتى في أطول نهار من أيام السنة.
كما أنه من المستحيل رؤية الهلال قبل حدوث الاقتران بساعات، لأنه في هذه الحالة سيغيب قبل الشمس، ومن المستحيل أن يُرى على صغره أثناء سطوع الشمس، وحتى لو رئي - فرضا - فلا يعتد بهذه الرؤية لأن هذا الهلال ليس هو هلال الشهر الجديد، وإنما هو بقية هلال الشهر السابق، ولذلك لا يعتد بهذه الرؤية لا شرعيا ولا فلكيا.
ومن المستحيل أن تتم رؤية الهلال أول ما يُرى في كل شهر أو في أغلب الشهور في منطقة بعينها، أو في دولة واحدة من بين دول العالم كلها، فليتنبه إلى ذلك.
مشكلات الشهادة والإكمال
الشهادة بالمستحيل
لازال بعض الناس يظن أن الرؤية يمكن أن تتعارض مع الحسابات الفلكية، وما سبب هذا الظن إلا بُعدهم عن هذا التخصص وما وصل إليه علم الفلك في هذا المجال، والصحيح الذي لا شك فيه عند كل من له إلمام علمي بهذا الموضوع أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تتعارض الرؤية مع الحسابات الفلكية، وإنما الممكن والموجود كثيرا هو أن تتعارض الشهادة مع الحسابات، وفرق كبير بين الأمرين، ذلك أن شهادة واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أي عدد من آحاد الناس شهادة ظنية، ولا تكون الشهادة قطعية إلا أن تكون متواترة، أي أن يشهد بالرؤية عدد يستحيل - عادة - وقوعهم في الكذب أو الخطأ، ولا يتحقق هذا إلا قليلا.
ومن المعلوم أن الشهادة بالمستحيل شهادة غير مقبولة، فمن شهد في عصرنا أنه رأى بعض الصحابة، أو حضر غزوة بدر حكمنا برد هذا الخبر أو هذه الشهادة.
وإذا ثبت أن الشمس قد غابت أمس في تمام الساعة الخامسة، ثم جاء من يخبر أنها غابت اليوم في الرابعة حكمنا برد كلامه، لأنه معلوم عادة أنه لا يمكن أن يكون الفرق في غروب الشمس بين يومين متتاليين أكثر من دقيقة أو دقيقتين، فكيف يمكن أن يكون هذا الفرق ساعة؟ وكيف يمكن أن نقبل شهادة من شهد برؤية الهلال قبل ولادته بساعات؟.
مشكلات إثبات الشهر بالشهادة
إن للشهادة بالرؤية مشكلات متعددة يعاني منها المسلمون في العالم مع بداية كل شهر، وبخاصة رمضان و شوال وذا الحجة، وتتركز هذه المشكلات في أن الشهادة بالرؤية إنما تكون عادة من واحد أو اثنين أو عدد قليل من الشهود، وتعد هذه الشهادة شهادة ظنية تحتمل الخطأ، وتحتمل الكذب، ولذلك لم يقبل الحنفية الشهادة في حال الصحو إلا من جمع كثير يقع العلم بخبرهم.
ومن أسباب الخطأ ما يلي:
1. عدم صفاء الجو، فمن المعلوم أن جو الأرض في القرنين الأخيرين قد تكدر وتعكر كثيرا، وذلك نتيجة لما أطلقته المصانع والآلات ووسائل المواصلات الحديثة في جو الأرض، مما جعل التلوث في الجو يصل إلى مستويات لم تعرفها البشرية من قبل، ولذلك فقد يكون الهلال موجودا ولا يُرى، وهذه مشكلة حديثة نسبيا.
2. كثرة الطائرات في الجو مما يجعل أشعة الشمس بعد غروبها عن الشخص الذي يراقب عن سطح الأرض تبقى فترة من الزمن في مقابلة هذه الطائرات، ويُحدث ذلك لمعانا يراه الذي يقف على الأرض، ويظنه بعض الناس الهلال الجديد.
¥