أما انتقاد المتأخرين للصحيحين فإن كان الحديث المنتقد من تلك الأحاديث المستثناه من الإجماع فلا حرج فيه وإلا فهو مردود والله أعلم
ولا يصح أن نستدل بمخالفة بعض المتأخرين لإجماع المتقدمين أو لبعضهم مع عدم علمنا بثبوت الخلاف بينهم لأنه في محل النزاع إذ الإنكار واقع على هذا الفعل من بعض المتأخرين فكيف يستدل به على محل النزاع
وإنما يصح الاستدلال بإجماع المتأخرين (يعني زمنا) وهذا ما لم يقع
- أما ما ذكرته من أمثلة فغايتها أن بعض الأئمة المتقدمين قد يخطأ في بعض أحكامه وأقواله
وهذا ما لم ننكره كما تقدم
لكن ينبغي أن يعلم هنا أننا إذا وجدنا حديثا ضعفه نقاد الحديث كأحمد وعلي وابن معين والبخاري مثلا ولم نعلم أنا أحدا ممن هو على منهجهم من النقاد خالفهم لم تصح مخالفتهم بل ينبغي علينا أن نبحث عن وجه قولهم وفهمه وتوجيهه
وانظر مثلا حديث حماد بن سلمة المذكور فقد تبين بعد البحث والتنقيب أن الصواب مع أبي حاتم
أحيلك على هذا الرابط للشيخ محمد بن عبد الله فقد بين فيه رجحان قول أبي حاتم ودقة أحكام المتقدمين وصعوبة الاستدراك عليهم لا استحالته
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=99600
- وما ذكر من استدراك أبي حاتم على شيخه أحمد فإضافة إلى ما تقدم ليس هو في محل النزاع على التنزل لأنه استدراك من متقدم على متقدم لا من متأخر على متقدم فإن قيل المراد بيان أن المتقدم قد يفوته علمٌ أو يخطأ قيل ومن أنكر هذا؟!
- والأمثلة التي ساقها المنقول عنه إنما ساقها ردا على كذبة كذبها بعضهم على أصحاب هذه الدعوة فصدقوها وهي أنهم يمنعون الاستدراك على المتقدم ولازمه القول بالعصمة
وهو ما ينكره أصحاب هذه الدعوة في كتبهم وأشرطتهم
ثانيا: أن الفصل بين منهج المتقدم والمتأخر يؤدي إلى التلفيق فهؤلاء المفرقين بين منهج المتقدمين والمتأخرين لايستطيعوا:
1 - أن يستغنوا عن المتأخرين في كثير من أبواب المصطلح وفي الكلام على الرواة لأنهم لن يجدوا إلا قول المتأخر في ذلك.
بل وهؤلاء المتأخرين هم الذين حفظوا لنا كثيرا من كلام المتقدمين في الرواة والحديث.
هذا مما ألزق بهذه الدعوة زورا وبهتانا
إذ لم ينادي أحد منهم بالاستغناء عن علم المتأخرين
بل كتب القوم وكلامهم شاهدة في تقرير ما يلي:
وهو أن ثمت هنا منهجان منهج المتقدمين وهو الصواب ومنهم المتأخرين المخالف للأول وهو خطأ
فإذا وافق كلام المتأخرين كلام المتقدمين أو شرحه وقرره أو فصله وبينه فنور على نور
وإذا خالفه ردّ
وإذا لم يخالفه ولم يوافقه نظر فيه فإن كان صوابا قبل وإلا ردّ على أن هذه نادر بالنسبة للرواة إذ المتأخرين عالة في معرفة الرواة على المتقدمين
وأما مسائل المصطلح والحكم على الأحاديث فإنه كما تقدم ينظر فيه على وفق منهج المتقدمين فإن كان صوابا قبل وإلا ردّ
فلا يمكن أن يستغنى عن علم المتأخرين
فلم تأت هذه الدعوة لتسفيه آراء المتأخرين والتزهيد في كتبهم وأقوالهم كما يشنع به البعض
ولكنها أتت لتقديم منهج المتقدمين على المتأخرين إذا اختلفا
ثالثا:أن تمضي قرونا - عشرة قرون - على إقرار مدرسة ما اصطلح عليهم بالمتأخرين إلى أن ظهر في هذا العصر من نادى بالتفريق بين هذين المدرستين يلزم منه تنقص من في هذه القرون من علماء عرفوا بالتقوى والورع والفضل , فهذه تضم مئات المحدثين الحفاظ كشيخ الإسلام وابن القيم والذهبي المزي والعراقي وابن حجر العسقلاني والسخاوي ومن بعدهم من العلماء إلى علماء هذا العصر كالمعلمي وأحمد شاكر وغيرهم كثير جدا
هذه الدعوة ليست وليدة العصر سواء كانت في علم الحديث أو في غيره من العلوم
بل دعى إليها علماء أجلاء نظرا وتطبيقا كابن رجب والمعلمي وغيرهم
وينبغي أن يعلم أن بعض العلماء المتأخرين زمنا قد يجتمع فيه الأمران موافقة المتقدمين في بعض ومخالفتهم في بعض وبعضهم يكون الغالب عليه منهج المتأخرين وبعضهم يكون الغالب عليه منهج المتقدمين
- ما ذكرته عن الألباني رحمه الله
فإن أصحاب هذه الدعوة يحترمونه ويشهدون له بسعة الاطلاع في هذا العلم كما هو مزبور في كتبهم ومسموع في أشرطتهم
ولكنهم يقولون أن الشيخ قد خالف المتقدمين في أمور وجب التنبيه عليها مع حفظ حقه في الإسلام
هو كغيره من العلماء تأخر كالسيوطي أم عاصر كشاكر رحم الله الجميع
لكن التركيز على الألباني رحمه الله إن صح من البعض فهو لأن الواقع فرضه
لاعتماد أغلب أهل العصر على كلامه
ولكثرة المتعصبين له في مسائل الحديث والنقد
ولأن حكم الألباني على الأحاديث أكثر من غيره
وعلى كل فإن نقد الألباني رحمه الله مع حفظ حقه في الإسلام غيرَ منكر عند أهل العلم والحجا
ولكن اللوم على من انتقصه ولم ينزله منزلته
وفي الختام ظني أن منهج المتأخرين متمم ومكمل لمنهج المتقدمين لا مخالف له , وعند الاختلاف ينظر إلى القرائن والأدلة فإن لم يوجد ما يرجح قول المتأخر فأنا أتفق معك بل و أظن أن لا أحد يخالف أن قول المتقدم هو المقدم والأولى.
عند الوفاق لا كلام وعند الخلاف فإن كان ثمت إجماعا أو قولا لبعضهم ولم نعلم له مخالفا لم يقبل وإن كان ثمت خلافا بين المتقدمين نظر إلى القرائن والأدلة ورجح ما وافق الصواب
والله أعلم.
¥