تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا الحديث يدل على أن السنة إذا وقع الذباب في الإناء أن يُغمس سواءً فيه شراب أو طعام لأنه جاء في رواية ((إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه))، والإناء يعم ما فيه طعام وما فيه شراب. وقال ? ((وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء)) وهذا يدل على خبث هذا المخلوق فهو حشرة خبيثة فيها هذا الداء وجبلها الله سبحانه وتعالى على هذا الخُبث فإذا سقط فإنه يضع الجناح الذي فيه الداء، فأمر النبي ? بأن يغمس، وفي رواية ((فليمقله)) يغمسه ويحركه ثم يخرجه.

وهذا يدل على أن الذباب ليس بنجس إذا مات لأن النبي ? لم يأمر بإهراق ما في الإناء وإنما أمر بأن يغمس ثم يُشرب الشراب ويُؤكل الطعام.

ومن هنا أخذ العلماء أن ما لا نفس له سائلة أنه لا ينجس بالموت مثل الذباب والبعوض والخنافس والصراصير والعناكب وما شابه ذلك من الحشرات التي ليس لها نفس سائلة، أما الفأرة فإن لها نفساً سائلة، والنفس المراد بها الدم ولذا قال النبي ? لأم سلمة لما حاضت قال ((أنفستِ)) قالت: نعم. فالنفس يراد بها هنا الدم، فما لا نفس له سائلة أي ليس له دم يسيل، فإذا قُتلت هذه الحشرة فإنها ليس لها دم يسيل.

أما الفأرة والوزغ فإنه نجس لأن له نفساً سائلة أي دم سائل أما هذه الحشرات التي ليس لها نفس سائلة فإنها طاهرة في حال الحياة وبعد الموت قياساً على الذباب.

وبعض العلماء يقول: إن الصراصير فيها تفصيل، فالتي تكون في الكنف وتتكون من العذرة فإنها نجسة، ومنهم من يقول إنها ليست بنجسة لأنها وإن كان أصلها نجساً لكنها تطهر بالاستحالة لأنها تحولت لشيء آخر. وهذا هو الأقرب، إذا كان فيها رطوبة من بول أو نجاسة فإنها تكون نجسة لهذه النجاسة التي فيها، والأصل أن هذه الحشرات التي لا نفس لها سائلة طاهرة.

وجاء في حديث ذكره الحافظ رحمه الله في الفتح وقال: إنه حديث حسن قال عليه الصلاة والسلام ((الذباب كله في النار إلا النحل)) وقال العلماء: المعنى أن الذباب يكون في النار يسلط على أهل النار زيادة في عذابهم والعياذ بالله، وليس المقصود أنها تعذب في النار وإنما المراد أنها تكون في النار عذاباً على أهل النار.

فالنبي e قال ((كلها في النار إلا النحل)) والنحل حشرة طيبة، وقد نهى النبي ? عن قتلها كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في سنن أبي داود قال: أربع نهى رسول الله ? عن قتلهن الهدهد والصُرد والنحلة والنملة هذه الأربع نهى الرسول ? عن قتلها. وجاء في حديث آخر في السنن أيضاً أنه نهى عن قتل الضفدع، فهذه الأشياء لا تُقتل.

والصُرد طائر أصغر من الهدهد قليلا يأكل الطيور الصغيرة، وهو معروف عند الذين يعرفون الطيور، له منقار معقوف، ونُهِي عن قتله لأنه لا يؤكل. والقاعدة أن كل شيء نهى النبي ? عن قتله أو أمر بقتله فإنه يحرم أكله، فأما ما نهى عن قتله فالأمر فيه واضح، وأما ما أمر بقتله فإنه لا يؤكل لأن القتل غير التذكية فلما أمر بقتله دل على أنه لا يؤكل، فالحية مثلاً أمر النبي ? بقتلها فهي لا تؤكل لأن القتل ليس هو الذكاة الشرعية.

وهل يجب على الإنسان أن يغمس الذباب إذا وقع في الإناء أم يجوز له أن يريق هذا الطعام أو الشراب؟.

فالجواب فيه تفصيل: إذا كانت نفسه لا تطيب بشرب هذا الشراب الذي وقع فيه الذباب وأراقه مع الإيمان بما قاله النبي ? فإنه لا حرج عليه في ذلك، وهذه الأمور ترجع إلى النفس، والنبي ? كره أكل الضب وقال ((أجدني أعافه))، فإذا كره الإنسان بجبلته شيئاً معيناً فإنه لا حرج عليه وأما إذا لم يفعل ذلك شكاً في قول النبي ? فهو آثم فإنه يجب عليه أن يؤمن ويصدق بما قاله النبي ?.

وبعض الناس طعن في هذا الحديث واعترض عليه بعقله الفاسد. وهذا من الفتنة فإن المؤمن يجب عليه أن يرضى ويسلم بما قاله النبي ?.

فإذا لم يغمس الذباب وأراق ما في الإناء قلنا له: لماذا أرقت هذا الذي في الإناء؟. فإن قال: أنا مؤمن بما قاله النبي ? وأعلم أني إذا غمست الذباب زال الداء الذي فيه ولا يضر، ولكنني أعافه أجد نفسي ما تطيب أن تشرب هذا الشراب الذي وقع فيه الذباب وتكرهه فإن هذا لا حرج عليه، وأما إذا أراقه شكاً في قول النبي ? فلا شك أن هذا حرام وقد يصل إلى الكفر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير