وجاءت الأحاديث الصحيحة في تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة قال عليه الصلاة والسلام ((الذي يأكل في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) متفق عليه، وفي رواية ((الذي يأكل أو يشرب)) ومعنى يجرجر الجرجرة هي صوت الماء إذا نزل في حلق الشارب، فالذي يشرب في آنية الذهب والفضة فكأنه يبتلع نار جهنم وإن كان يشرب من الماء لكنه سيصير عليه ناراً يُعذب بها، كما في قول النبي ? ((ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار)) رواه البخاري، لأنه يؤول به إلى ذلك، وكقوله تعالى (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً) لأن مآلهم إلى النار فهذا يجرجر أي كأنه يشرب نار جهنم في بطنه والعياذ بالله وهذا يدل على أن هذا من الكبائر.
واختلف العلماء في اتخاذ الآنية من الذهب والفضة يعني إنسان عنده أباريق من الذهب والفضة وما أشبه ذلك ولا يستعملها ولكن وضعها للزينة، فهل يجوز ذلك؟.
نقول: هذا أيضاً لا يجوز لأنها وسيلة فهذه الآنية الموجودة وإن كان لا يستعملها فقد يأتي بعده من يستعملها، فلو مات فقد يأتي بعده من يستعملها، فإذاً وجودها على هذا الشكل يُمنع منه لأنه يؤول إلى الاستعمال فهو وسيلة إليه.
والمسألة الثانية وهي أيضا مما اختلف فيه أهل العلم وهي اتخاذ الأشياء في غير الأكل والشرب من غير الأواني، تتخذ أشياء من الذهب والفضة لكن ليست آنية مثل إنسان يضع براويز من ذهب أو دولاب فيه ذهب أو ما أشبه ذلك من الأثاث، ولكنه لا يتعلق بالأكل والشرب فهل يجوز هذا أم لا؟.
هذا فيه خلاف والأحوط تركه، فمن أهل العلم من قال إنه جائز، لأن النبي ? قال ((الذي يأكل أو يشرب)) فهو إنما نص على الأكل والشرب ولم ينص على غير ذلك من وجوه الاستعمال. فمن نظر إلى نص الحديث قال هذا جائز والأصل الإباحة والنبي ? نص على الأكل والشرب ولو أراد غيره لنص عليه.
ومنهم من قال: إن هذا جاء في الحديث على سبيل التنبيه فلما حرم الأكل والشرب وهي أهم شيء وأكثر ما يُحتاج إليه فغيره مما لا حاجة إليه من باب أولى.
وليس فيه دليل واضح على التحريم، ولكن الأحوط ترك ذلك والبعد عنه.
19 - وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ? ((الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) متفق عليه.
الشرح:
الذين ذهبوا إلى جواز اتخاذ الذهب والفضة في غير الأكل والشرب استدلوا بفعل أم سلمة رضي الله عنها فقد روى البخاري في الصحيح أن أم سلمة رضي الله عنها كان عندها جلجل من فضة وهو إناء صغير وضعت فيه شعرات من شعر النبي ? وكان إذا مرض الإنسان أرسل إليها إناءً فيه ماء فتضع الشعرات في هذا الماء ثم يشربه ويغتسل به يستشفون بذلك. فقالوا هذا يدل على الجواز فإن أم سلمة رضي الله عنها وضعت هذا الجلجل من فضة ولم يُنكر عليها.
ولكن الذين ذهبوا إلى التحريم قالوا هذا فعل صحابي والصحابي إذا فعل شيئاً مخالفاً للنصوص فإنه يعتذر عنه ولا يحتج به، ولكن أصحاب القول الثاني قالوا: هذا فعل صحابي لم يخالف النص.
ولا شك أن هذا يقوي القول بجواز اتخاذ هذه الأشياء في غير الأكل والشرب، ولكن الأحوط والأولى هو الترك والبعد ما دام أن هذا ليس فيه حاجة ولا ضرورة وفيه خلاف فالأولى تركه.
20 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ? ((إذ دبغ الإهاب فقط طهر)) أخرجه مسلم.
21 - وعند الأربعة ((أيما إهاب دبغ)).
22 - وعن سلمة بن المحبق رضي الله عنه قال: قال رسول الله ? ((دباغ جلود الميتة طهورها)) صححه ابن حبان.
الشرح:
الكلام هنا على جلود الميتة، فالميتة لا شك أنها نجسة ولكن جلدها إذا دُبغ فإنه يطهر، وقد دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، منها حديث ميمونة في الصحيحين أن النبي ? مر بشاة لميمونة قد ماتت فقال ? ((هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به)) فقالوا يا رسول الله: إنها ميتة فقال ? ((إنما حُرِّم أكلها)) يعني ما حُرِّم الجلد وإنما حُرِّم الأكل، فأفتاهم النبي ? أن الجلد يطهر بالدباغ وقال ? ((دباغه طهوره)) رواه مسلم، وجا في السنن ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) فأما إهاب ما يؤكل لحمه - والإهاب هو الجلد قبل الدبغ - فهذا لا إشكال فيه أنه طاهر خلافاً للمذهب، فإن المذهب يرون أنه لا يطهر
¥