وهذا محمول على قوم يأكلون النجاسات يأكلون الخنزير والميتة ويشربون الخمر في هذه الأواني فالنبي ? نهى عن استعمالها وقال ((إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها)).
وجاءت أحاديث أخرى كحديث جابر رضي الله عنه أنهم استأذنوا النبي ? في بعض الغزاوات في استعمال آنية المشركين فأذن لهم في ذلك.
فالجمع بين الأحاديث أن النهي محمول على قوم يستعملون النجاسات، والإذن محمول على قوم لا يفعلون ذلك أو أنه لا يُعلم حالهم فالأصل الطهارة. فالأصل طهارة آنية المشركين إلا إذا عُلم أنهم يستخدمون فيها النجاسات من الخمر والخنزير والميتة وما شابه ذلك.
25 - وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي ? وأصحابه توضؤوا من مزادة امرأة مشركة. متفق عليه في حديث طويل.
الشرح:
تقدم الكلام على هذا الحديث في شرح الحديث رقم (20).
26 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن قدح النبي ? انكسر فاتخذ مكان الشَّعْبِ سلسلة من فضة. أخرجه البخاري.
الشرح:
وهذا مستثنى، فإذا انصدع القدح واحتاج إلى أن يجمع هذا الصدع بسلسلة من فضة جاز بشروط:
1 - أن يكون للحاجة فلا يجوز للتجميل.
2 - أن يكون من فضة فلا يجوز من ذهب.
3 - أن يكون يسيراً.
فبهذه الشروط الثلاثة يجوز استعمال الفضة في الإناء. وإذا فعل ذلك فإنه لا يحرم عليه أن يشرب من المكان الذي فيه هذه الفضة ما دام أنها صارت حلالاً جائزة فإنه لا يجب عليه أن يتحاشاها.
وبعض العلماء يرى أنه إذا وضع الفضة فإنه لا يجوز أن يشرب من المكان الذي فيه الفضة.
ولكن هذا القول لا دليل عليه فما دام أنه جاز وضع هذه الفضة فقد صارت مباحة فلا فرق أن يشرب من المكان الذي فيه الفضة أو أن يشرب من مكان آخر.
باب إزالة النجاسة وبيانها
27 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سئل رسول الله ? عن الخمر تتخذ خلاً؟ قال ((لا)). أخرجه مسلم والترمذي وقال: حسن صحيح.
الشرح:
العلماء مختلفون في الخمر هل هي نجسة أم لا؟. والأقرب أنها ليست بنجسة وليس هناك دليل واضح على النجاسة.
أما قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان) فالرجس يطلق على النجاسة الحسية ويطلق على النجاسة المعنوية، فالرجس يشمل هذا وهذا.
فالله سبحانه وتعالى حكم على الميسر والأنصاب والأزلام بأنها رجس ومعلوم أن الميسر ليس بنجس، الميسر أشياء يُلعب بها فهذه ليست نجسة نجاسة حسية ولكنها خبيثة، وكذلك الأزلام التي يتخذونها من ثلاثة أحجار يُكتب على أحدها افعل والثاني لا تفعل والثالث ليس فيه شيء، وهذه الأحجار ليست نجسة النجاسة الحسية ولكنها خبيثة.
إذاً هذا النص ليس صريحاً في النجاسة والأصل الطهارة، والله تعالى قد جمع مع الخمر الميسر والأزلام وهذه ليست بنجسة.
والذين يرون الطهارة قالوا: يؤيد هذا أن النبي ? لما نزل تحريم الخمر أقر الصحابة عندما أراقوها في الطرقات، ولو كانت نجسة ما جاز لهم أن يريقوها في طريق المسلمين فإنه لا بد أن يمروا في هذا الطريق فتتلوث أقدامهم ونعالهم بهذه النجاسة.
فالأصل عدم النجاسة ومما يؤيد هذا أيضاً أن الخمر إذا تخللت بنفسها فإنها تطهر والذين قالوا إنها نجسة لا يرون أن الشيء يطهر بالاستحالة فهذا مما يشكل عليهم فإن الخمر المسكرة إذا تخللت أي تحولت إلى خل – وهو العصير الذي فيه حموضة – وذهب عنها الإسكار فإنها تطهر، لكن لا يجوز للإنسان أن يخللها بنفسه لأن الخمر إذا وُضع عليها أشياء ذهب عنها مادة الإسكار وتحولت إلى عصير فيه حموضة.
فالنبي ? سئل عن الخمر تتخذ خلاً فقال ((لا)) رواه مسلم. فنهى النبي ? عن ذلك سدا للباب لأنها إذا خللت صارت عصيراً وليست حراماً، لكن النبي ? نهى عن ذلك سداً للباب لئلا يتذرع الإنسان بإبقاء الخمر وإذا سئل عن ذلك قال: أَجْعَلُها خلا.
والعلماء على أنها إذا تخللت بفعل الله فإنها لا تحرم، وإنما المحرم هو أن يتخذها هو خلاً. فإذاً يقولون: إن هذه الخمر التي كانت نجسة لما تخللت لم يتغير فيها شيء مجرد أنه ذهب عنها مادة الإسكار وإلا فهي بذاتها ما تحولت إلى شيء آخر، وهذا يؤيد أن الخمر ليست بنجسة. والأحوط للإنسان أن يتجنبها إذا لم يحتج لها.
¥