155 - وعن أنس رضي الله عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، فقال النبي e (( اصنعوا كل شيء إلا النكاح)) رواه مسلم.
الشرح:
المؤلف اختصر الحديث وفيه تتمة ((لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت)) فتُجعل في بيت خاص مبالغة في البعد عنها.
واليهود قد شدد الله عليهم فكانوا إذا أصاب جلد أحدهم أو ثوبه بول أو نجاسة قرضه بالمقاريض، فهذه من الآصار التي جعلها الله عليهم، والنصارى بعكس ذلك لا يتنزهون من النجاسات، ودين الإسلام وسط بين هذا وهذا، فلم يبح لزوجها جماعها في الفرج محل الأذى ولم يأمره باعتزالها كما يفعل اليهود.
فاليهود عندهم هذا التشديد في باب النجاسات فكانوا إذا حاضت المرأة فمن شدة التنزه عن دم الحيض النجس أنهم لا يؤاكلونها ولا يشاربونها ولا يجلسون معها في المجلس ولا تأكل معهم بل ولا يجامعونها في البيوت فتخرج في بيت آخر حتى تطهر ثم تعود. فالإسلام نسخ هذا وجاء بالرخصة فصار وسطاً، لا يجوز أن يجامعها زوجها ولا يفعل كما تفعل اليهود بأن يبتعد عنها.
وكان النبي e يضع رأسه في حجر عائشة وهي حائض ويقرأ القرآن. متفق عليه. وإذا شربت وهي حائض ناولته الإناء فيضع فاه على موضع فيها ويشرب، وتتعرق العرق – وهو العظم فيه بقية لحم – ثم تناوله النبي e فيضع فاه موضع فيها. رواه مسلم.
وهذا يدل على أن الحيض أذى في محله وأما بقية جسد الحائض فهو طاهر ولا وجه لتركه والبعد عنه، ولذلك قال النبي e لعائشة رضي الله عنها وهو في المسجد ((ناوليني الثوب)). قالت: يا رسول الله إني حائض. قال ((إن حيضتك ليست في يدك)) فناولته. رواه مسلم.
ولذا فإنه e قال ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)) وهذا أصح ما ورد فيما يُستمتع به من الحائض قال ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)) فإن الزوج يستمتع بجميع جسد زوجته الحائض إلا القبل، فلا يجوز له أن يولج فيه.
وجاء في بعض الأحاديث ((لك ما فوق الإزار)) وهذا الحديث فيه ضعف، ولكن له شواهد، فعلى فرض صحته فهو محمول على أحد أمرين: إما على التنزه والاحتياط فيكون على سبيل الاستحباب، وإما أن يكون في حق من لا يملك نفسه ويُخشى عليه من الوقوع في المحذور، كمن كان حديث عهد بعرس ومن كان شديد الشهوة ولا يأمن نفسه، فإنه يحرم عليه ما بين السرة والركبة سداً للباب وبعداً عن أسباب الحرام.
156 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله e يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض. متفق عليه.
الشرح:
يحتمل أن المراد بالمباشرة مس البشرة تتزر وتنام معه في لحاف، كما فعلت أم سلمة رضي الله عنها حينما حاضت وقامت فدعاها النبي e فجاءت فنامت معه في لحافه، وإن كان المراد بالمباشرة الجماع فإن هذا لا يدل على أنه لا يجوز أن يباشر فيما بين الفخذين لأن هذا فعل مجرد، فقد يكون فعله النبي e احتياطاً.
وحديث أنس رضي الله عنه صريح في جواز المباشرة فيما بين الفخذين إذا أمن الوقوع في المحرم.
157 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله e – في الذي يأتي امرأته وهي حائض - قال ((يتصدق بدينار أو بنصف دينار)) رواه الخمسة وصححه الحاكم وابن القطان ورجح غيرهما وقفه.
الشرح:
إذا تعارض الرفع إلى النبي e والوقف على الصحابي فالأصل أنه يُقدم الرفع، لأنه زيادة ثقة وهي مقبولة، إلا إذا دلت القرائن على خلاف ذلك. فالراجح في هذا الحديث أنه مرفوع إلى النبي e .
وجاءت روايات ضعيفة فيها اضطراب نصف دينار أو دينار وجاء إذا كان الدم أحمر أو أصفر وجاء سُبع دينار أو قريب من هذا، فمنهم من أعله بالاضطراب.
ولكن أجاب ابن القطان على هذا، ورد هذا القول في تضعيفه وقال: إن هذا لا يضر، وهذه الروايات الضعيفة إذا اضطربت فرواية الثقات لم تضطرب فهي رواية صحيحة ثابتة وليس فيها اضطراب، فقوله ((دينار أو نصف دينار)) هذا للتنويع يعني إن شاء أخرج ديناراً وإن شاء أخرج نصف دينار.
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن كان الدم أحمر فدينار وإن كان أصفر فنصف دينار. وهذا اجتهاد من ابن عباس رضي الله عنهما ولا يلزم الأخذ به، فإن أخرج ديناراً كفى وإن أخرج نصف دينار كفى وإن احتاط وأخرج ديناراً في الدم الأحمر فإنه أولى ولكن إن لم يخرج إلا نصف دينار فإنه يكفي.
¥