ولسفيان الثوري عنايةٌ بتفسير مجاهد وتعظيم له، وله رواية عنه قليلة جداً، ولم يدركه، ولا أعرف واسطته، ولا من نص عليها، ويغلب على ظني أنه يأخذ ممن أخذ عن القاسم بن أبي بزة، فهو يسميهم في الأكثر، والله أعلم.
ويروي عن مجاهد شيئاً من التفسير منصور وعبدالله بن أبي المغيث.
رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس* ومن أصح الروايات عن عبد الله بن عباس:
رواية سعيد بن جبير: وكان مكِّيِّاً مقدَّماً، فهذا علي بن المديني يقدمه على سائر أصحاب عبد الله بن عباس، وهو أكثر الرواة عنه رواية، وأكثرُ التابعين من المكيين عناية بالإسرائيليات، وجل ما جاء عن ابن عباس من الإسرائيليات من طريقه، وقد أكثر من حكاية الغيبيات من أخبار السابقين والقيامة عن عبد الله بن عباس.
ومقامه رفيعٌ ومنزلته عليه عند ابن عباس، وقد روى مجاهد أن ابن عباس كان يأمره أن يتحدث وهو شاهد، ويحيل إليه في الفتوى هو وابن عمر، وهو المقدَّم في الأحكام عن ابن عباس عند الخلاف بإطلاق، لعنايته بذلك، ورجع مجاهد وطاووس عن قولهما إلى قوله في الأحكام، ومن ذلك في تفسير قوله تعالى: (الذي بيده عقدة النكاح) قالا: هو الولي، وقال سعيد: هو الزوج، فرجعا إلى قوله لما علما به.
وكان من أعلم الناس بالحلال والحرام، بل قيل: إنه أعلم أهل زمانه في بلده.
وروى عنه خلقٌ؛ منهم جعفر وعبدالأعلى وعمرو بن مرة والمنهال وعطاء بن دينار وعطاء بن السائب والأعمش، وجل الأسانيد عنه في التفسير صحيحة.
وله رواية عن ابن مسعود، وابن عمر، في التفسير، وهي قليلةٌ، لكنه يقدِّمُ ابن عباس على غيره، فإذا روى وقال: عن عبدالله، فمراده ابن عباس، كما قاله عمرو بن مُرَّة. أسنده ابن حنبل، كما في "العلل".
والغالب إذا قال البصري: "عن عبدالله"، فمراده ابن عباس، وكذلك في مكة على الأغلب، وإذا قال ذلك المدنيُّ، فمراده ابن عمر، وإذا قال المصري: "عبدالله"، فهو ابن عمرو، وفي الكوفة ابن مسعود، حاشا سعيد بن جبير؛ فهو ممن ارتحل إلى الكوفة واستوطنها، فإذا قال "عبدالله"، فهو ابن عباس.
وتفسير عطاء بن دينار عنه لم يسمعه منه، بل لم يسمع منه شيئاً مطلقاً، وهو صحيفة كما قاله أحمد بن صالح وأبو حاتم، وقال أبو حاتم أن سعيد بن جبير كتب التفسير لعبدالملك بن مروان فوجده عطاء في الديوان فحدَّث به، وهو ثقة معروف، والذي يروي عنه التفسير من هذه الصحيفة عبدالله بن لهيعة، وهي صحيفة صحيحة، لا تُعَلُّ بالانقطاع ولا بابن لهيعة، والله أعلم.
وحديث عطاء بن السائب عنه يرويه محمد بن فضيل وغيره.
رواية عكرمة عن ابن عباس
ومن الرواة عن ابن عباس عكرمة مولى عبد الله بن عباس:
وعكرمة قريب من سعيد بن جبير؛ فقد تزوج أم سعيد بن جبير، وهو إمام في التفسير، قال الشعبي وقتادة: إنه أعلم الناس فيه، وقال أبو حاتم: أصحاب ابن عباس عيال عليه في التفسير.
وهو مقدَّم في أسباب النزول، ومناسبات السور، لعنايته بذلك، حافظٌ لأشعار العرب، وَجُل أقواله عن ابن عباس وإن لم ينسبها له.
أخرج ابن أبي حاتم عن سماكٍ، قال: قال عكرمة: كل شيء أحدثكم في القرآن، فهو عن ابن عباس.
وله تفسيرٌ من قوله يجتهد فيه، وهو قليل، ويظهر ذلك في مخالفته لقول ابن عباس، كما في قصة أصحاب السبت.
سبب قلة الرواية عن عكرمة
ومع عنايته بالتفسير، إلا أن النقل عنه قليل، وذلك لانتحاله رأي الخوارج، كما نص عليه عطاء وأحمد وابن المديني وابن معين، وهذه عادة الأئمة فيمن عرف بالابتداع أن لا يُكْثر الأخذُ عنه، لكي لا يرتفع شأنُه بأخذ الأجلة عنه، فيتأثر ببدعته تبعاً من يجهلهُ، وإن كان إماماً في نفسه، كل هذا صيانة للدين وحماية لجنابه، ولأجل هذا كان مالك يروي عن عكرمة في موطئه ولا يسميه.
ومع هذا، فهو إمام جليل القدر، وإن كان وقع في شيء من التكفير بالكبيرة، - وقد بَرَّأه من ذلك بعض العلماء كالعجلي وابن عبدالبر - فينبغي العناية بقوله وجمعه واعتباره وتأمُّله، وهو من المكثرين عن ابن عباس، بل هو أكثر رواية عنه من مجاهد في التفسير.
وتفسيره بالجملة صحيح، وأجوده وأمثله ما يعتني فيه بأسباب النزول، فله معرفة فيه، وهو مقدم على غيره في هذا النوع، وقد علق البخاري عنه في الصحيح مجزوماً به في التفسير، وأشهر الطرق عن عكرمة ما يرويه عنه ابن جريج، وهو أكثرهم، وعكرمة قليل التلاميذ.
¥