تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وربما كتب القلم غاضباً، فقال حينا – في الحقِّ – ما ليس كلُّ الناس ترضى عنه وتقبلُ، فهذا مما أستغفر الله منه – على اعتقادي بصوابه -، وأعتذر للمحررين عنه – وإن كان مما جنته أيديهم – وأقول لمن قد لا يرتضي:

مُرَانِ كَمْ قَضَّا مَضَاجِعَ عَالِمٍ

الحَقُّ مُرٌّ والسُّكُوتُ مَرَارُ

فَلَئِنْ سَكَتَّ فَأَنْتَ تَخْذُلُ حَافِظاً

وَلَئِنْ كَتَبْتَ فَضَجَّةٌ سَتُثَارُ

عَتَبٌ عَلَى قَلَمِ الحَقِيْقَةِ أَخْرَسٌ

فَمَتَى وَقَدْ هُدِمَتْ رُؤَاكَ تَغَارُ؟

وَمَتَى سَتَكْتُبُ أَنْتَ أَوَّلُ صَارِخٍ

يُرْجَى إِذَا قَتَلَ الهَوَاءَ غُبَارُ

فَكَتَبْتُ مَوْجُوعَ الفُؤَادِ، مَرَارَةٌ

أَلاَّ يُرَى غَيْرَ السُّكُوتِ خَيَارُ

يَا دَوْلَةَ " التَّحْرِيْرِ" لَسْتِ بِدَوْلَةٍ

قَدْ آنَ يَقْتُلُ لَيْلَتَيْكِ نَهَارُ

فجاء هذا الكتابُ غضبةً في الله لابن حجر، وما علي من شيءٍ بعد هذا سوى طلب السداد من الله عز وجل في زمنٍ قليلاً ما رأينا فيه غضبة لله ولعلماء الأمة الذين أحرقوا أعمارهم شموعاً أنارت دروب حياتنا المظلمة، فلم أرَ قلماً تعقب المحررين في كتابهما هذا غير قلم شيخي العلامة المحقق الدكتور هاشم جميل – حفظه الله – على كثرةٍ لهذه الأقلام لكن في غير ما غضبةٍ.

ورحم الله القائل:

ما أكثر الناسَ بل ما أقلهُمُ

والله شهد أنَّي لم أقلْ فندا

و

إنّي لأفتح عيني حين أفتحها

على كثيرٍ ولكن لا أرى أحدا

و

ما أكثر ((الأقلام)) حينَ ((تَعُدُّها))

لكنها في النائباتِ قليلُ

وكان دافعي الرئيس الذب عن سنة المصطفى، والدفاع عن علم الجرح والتعديل الذي هو أصعب العلوم، والدفاع عن الصحيحين لما رأيت من تجني المحررين عليهما وعلى رواتهما.

ثم ليس أمر الكلام في الرواة شيئاً يسيراً أو هيناً، لذا اشترطت في المجرح والمعدل: العدالة، والدين المتين، والورع، لذا قال الإمام السبكي –رحمه الله– وهو يتحدث عن صنوف العلماء: ((ومنهم المؤرخون وهم على شفا جرفٍ هارٍ، لأنهم يتسلطون على أعراض الناس، وربما نقلوا مجرد ما يبلغهم من صادقٍ أو كاذبٍ، فلابد أن يكون المؤرخ عالماً عادلاً، عارفاً بحال من يترجمه ليس بينه وبينه من الصداقة ما قد يحمل على التعصب ولا من العداوة ما قد يحمله على الغض منه)) (7).

فشمرت عن ساعد الجد، لنقد هذا الكتاب وبيان فحواه، والله أسأل أنْ يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم.

واقتضت طبيعة هذا الكتاب أن أقسمه بعد هذه المقدمة إلى قسمين:

القسم الأول: في المقدمات، واحتوى على خمسة فصول:

الفصل الأول: الحافظ ابن حجر، وكتابه التقريب.

الفصل الثاني: أنظار في تحرير التقريب.

الفصل الثالث: فرائد الفوائد.

الفصل الرابع: طبعات التقريب.

الفصل الخامس: نقد مقدمة التحرير.

أما القسم الثاني: وهو الأهم، فقد ذكرت فيه أوهام المحررين وأخطاءهما، وقد سرت فيه على النهج الآتي:

أذكر الترجمة من نص التحرير (وقد حرصت على ذكر نصهما بحروفه) وأصدر الترجمة برقم متسلسل لتراجم الكتاب، ثم أضع رقم الترجمة من التحرير بين هلالين، ثم أسوق تعقب المعترضين، ثم بعد ذلك أناقشهما في ذلك.

وقد تتبعت المحررين – الدكتور بشار عواد معروف والشيخ شعيب الأرنؤوط – في نصهما الذي أثبتاه للتقريب وفي أحكامهما وفي نقولاتهما فكانت دراسة استقرائية تامة شاملة – إن شاء الله -.

وقد وجدت عدد الأخطاء والأوهام وغير ذلك التي وقع فيها المحرران كثيراً جداً، وأنَّ مسألة ذكرها بجملتها في صلب الكتاب، ربما يجعل الكتاب ذا مجلدات عدة، فارتأيت أن أضع تلك الأخطاء في جداول طلباً للاختصار، وألحقتها في نهاية الكتاب.

وقد أجملت بعضها في القسم الأول خشية التكرار والإطالة، وقد تم تعقب المحررين في أكثر من ألفي موضع، توزعت على (1420) موضعاً في مقدمة الكتاب، و (585) موضعاً في القسم الثاني، و (399) موضعاً في ملاحق الكتاب.

وكان من منهج عملي في كتابي هذا: أنني قابلت النص على المطبوعات واستعنت في مواطن الاختلاف بالنسخ الخطية وما أعزها علينا في بلدنا الذي يأن تحت وطئة الحصار منذ عقد من السنين، ثم تحت الاحتلال المقيت. وتتبعت المحررين الفاضلين في تخريجاتهما وأحكامهما في غير هذا الكتاب ليصبح بيان منهجهما في باقي كتبهما أوضح، وليكون إيراد تناقض أبلغ، واستفدت في مواضع من تخريجات وتنبيهات المُحْدَثين بعد سبرها وتمحيصها.

وسيجد القارئ الكريم أني أغلظت القول في بعض المواطن للمحررين غضبة لله ولرسوله، وإنني موقن أنَّ هناك كثيراً ممن يشاركني ذلك، والله من وراء القصد، وهو يتولى السرائر.

وقد بذلتُ جهدي وما وسعتني طاقتي في هذا الكتاب، ولم ألُ بتعب أو وقت عليه، راجياً الله تعالى أنْ يجعله نوراً لي إنه سميع عليم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير