وذلك لأنها اعتراضات سخيفة، ولأن جهل أصحابها سواء أكانوا مشرقيين أم مغربين -لا يهمنا أشخاص بعينهم ولا نقصدهم علميا- قد أدى بهم الحال إلى أن لا يميزوا بين الحكم الشرعي والحكم العقلي الوهمي؛ الذي لا هو ممكن ذهنيًا لا موجود واقعيًا، وذلك لأنه لا يدرك الفرق بين حكم الخاص والعام ولا بين المطلق والمقيد ولا بين الناسخ والمنسوخ، ولا بين شرعنا وشرع من قبلنا وهل هو شرع لنا أم لا؟ ناهيك عن السخافة الأخلاقية في مناقشة كبار الصحابة -أبي هريرة بصفة خاصة- وأئمة الأمة وعلى رأسهم البخاري أمير المؤمنين في الحديث، كما تتابع على تسميته بذلك العلماء عبر التاريخ.
إذ لولا الأحاديثُ الصحيحة المبينة لأحكام الطهارة والحياء لكان متفلسفو زماننا ما زالوا يبولون على أعقابهم كما وصف بذلك الأعرابي قبل مجيء الإسلام، ولكانوا ما زالوا يأكلون الفئران والصراصير ويغتسلون بالنجاسات ويلحسونها كما هو شأن كثير من الشعوب غير المسلمة، والدليل على ذلك ما هو معروضٌ مشاهد على القنوات الفضائحية ومواقع الإنترنت من سخف ونجاسات تتخبط فيها البشرية بشتى صورها، قد يعافها الكلابُ والقطط بَلْهَ الإنسان المتحضر ومدعي العقلانية والتطور في الطب والعلوم الإنسانية، والحمد لله على نعمة الإسلام!!!.
ثالثاً: الرواية الصحيحة وتحدي العلوم والعقول
من هنا كان لا بد في التشريع من تبيين ما يجوز وما لا يجوز في العلاقات الجنسية بين الزوجين، للضرورة الشرعية وليس لإثارة الشهوات والتخبط في وحلها، وكذلك كان لا بد من توضيح ما يمكن أكلُه مما لا يمكن، وما يجب غسلُه مما لا يجب، وما ينبغي قولُه مما لا ينبغي، وكذلك ما يصح نشره مما لا يصح.
1) أوليس حكم الذبابة إذا سقطت في الماء يكون من الواجب غمس جناحها الثاني حتى يتم إبطال سم الجناح الأول؟ أوليس العلم قد أثبت معجزة النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الأمر؟ فكان حكمه -صلى الله عليه وسلم- وقاية وصحة وطهارة واقتصادًا، وخاصة في بلد الجزيرة العربية التي كان الماء يوزن فيها بالذهب لندرته وشح مصادره؟
فأين هذا من منطق المبذرين والمستهترين الذين يريقون المئات من الأمتار المكعبة من الماء بمجرد نقطة أو ذبابة سقطت في الحوض أو البرميل؟ وكذلك شأن الفأرة إذا سقطت في السمن، فهل يضيع نتاج العام من اللبن وذخيرة السنة بمجرد فأرة سقطت في مكان معين محدود المساحة؟ أو نريق الصهاريج المعبأة في مراكز الحليب من زبدة و (لبن رائب) وغيره بمجرد مثل هذا الحادث اليسير الذي له علاجه الصحي النبوي في الحين؟
أو ليس هذا هو التبذير وسوء التدبير والتطرف في التصرف، الذي قد يتشعب حتى إلى التطرف في التعامل مع الآخر واختراق حدود العدالة العامة، ما دمنا لا نزن الأمور بواقعها ونقف بالدواء عند نقطة الداء، أوليس هذا هو مرض سلوكي يخضع للانعكاسات الشرطية الحيوانية؟
إن هذه الأحاديث هي التي قد تكرم علينا بروايتها والسهر على تبليغها إلينا سيدُنا أبو هريرة رضي الله عنه، وكذلك خرَّجها ومحصها إمامُنا في علم الحديث سيدي محمد بن إسماعيل البخاري.
إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَه وإن أنت أكرمت اللئيمَ تمردا
ولإعطاء نموذج واقعي ومبين لهذا السخف الفكري في مواجهة الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري وغيره من الرواة في الصحاح وباقي السنن نقول:
هذه الترهات حول رفض الحديث النبوي باسم العقلانية وحقوق الإنسان والحيوان وما إليها كان قد سلك طريقَها بعضُ المغرورين من المتفلسفة في الماضي ولم يفلحوا في ذلك؛ لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، والزمان كفيل بإثبات الحقيقة، والحكم للوجود كما يقول علماؤنا الأفذاذ؛ {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17].
2) ذكر أحمد أمين في كتابه ضحى الإسلام -الجزء الثالث- نموذجًا حيا من هذا الاعتراض، وخاصة لدى بعض المعتزلة المتطرفين والمغرورين باسم العقلانية والجرأة والوقاحة، وذلك في حكاية عن إبراهيم بن سيار النظام زعيم المعتزلة (221هـ).
¥