تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الجواب: إنما الأعمال بالنيات وإنما لأمريء ما نوى، والجهاد له صور شتى وجهاد البيان والدعوة أفضل من جهاد السيف والسنان في كثير من الأحيان؛ والدعاء ينفع ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ومن أعظم الجهاد الدعوة لبنات جنسك وتعليمهن وإعانتهن على إعفاف أنفسهن، وتعليمهن القرآن استمعي إلى ما قاله ابن كثير في البداية والنهاية 18/ 421طبعة التركي عند وفيات (741): ((وفي أول شهر جمادى الأولى توفيت الشيخة العابدة الصالحة العالمة قارئة القرآن أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم بن صديق زوجة شيخنا الحافظ جمال الدين المزي عشية يوم الثلاثاء مستهل هذا الشهر، وصلي عليها بالجامع صبيحة يوم الأربعاء، ودفنت بمقابر الصوفية غربي قبر الشيخ تقي الدين ابن تيمية - رحمهم الله - كانت عديمة النظير في نساء زمانها؛ لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن العظيم بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح يعجز كثير من الرجال عن تجويده وختّمَتْ نساء كثيراً، وقرأ عليها من النساء خلقٌ، وانتفعن بها وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا، وتقللها منها مع طول العمر بلغت ثمانين سنة أنفقتها في طاعة ربها صلاةً وتلاوةً، وكان الشيخ محسناً إليها مطيعاً، لا يكاد يخالفها لحبه لها طبعاً وشرعاً فرحمها الله وقدس روحها ونور مضجعها بالرحمة آمين)).

ومن الجهاد أن يحبس الإنسان أنفاس عمره في سبيل الله ويعمل لله ويوقف نفسه لله، ويعمل لتحصيل الآثار في حياته وبعد مماته فإنَّ مما يلحق العالم بعد موته، وينتفع به في حياته ثلاثة جوانب، هي استمرار لحياته ومضاعفة لحسناته، وهي داخلة ضمن قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له

والعلم الشرعي النافع قد يودعه الإنسان في بطون الكتب العلمية النافعة؛ فيستفيد منها الناس في حياته وبعد مماته، وربما تتعاقب عليه الأجيال التالية، ويبقى في ذلك ذكر الإنسان والدعاء، واستمرار أجره.

ومنهم من يودع العلم في صدور تلامذته، ينتفعون بعلمه في حياته وينقولونه إلى الأجيال، فيبقى له أجره إلى ما شاء الله.

وبعضهم يرزقه الله سبحانه وتعالى القدرة على التوفيق إلى تربية تلامذة علماء، وتأليف كتب نافعة محررة؛ فيحصل له النفع الكبير، والخير الوافر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء

ومن الجهاد أن يعمل المرء لأن يكون مباركاً قال العلامة ابن القيم الجوزية: إنَّ بركة الرجل تعليمه للخير حيث حلَّ، ونصحه لكل من اجتمع به، قال تعالى – إخباراً عن المسيح عليه السلام -: ((وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ)) أي: معلماً للخير، داعياً إلى الله، مذكراً به، مرغباً في طاعته، فهذا من بركة الرجل، ومن خلا من هذا فقد خلا من البركة، ومحقت بركة لقائه والاجتماع به، بل تمحق بركة من لقيه واجتمع به فإنَّه يضيع الوقت في الماجَريات، ويفسد القلب، وكل آفة تدخل على العبد فسببها ضياع الوقت، وفساد القلب، وتعود بضياع حظه من الله، ونقصان درجته ومنزلته عنده، ولهذا وصى بعض الشيوخ فقال: احذروا مخالطة من تضيع مخالطته الوقت وتفسد القلب؛ فإنَّه متى ضاع الوقت وفسد القلب انفرطت على العبد أموره كلها، وكان ممن قال الله فيه: ((وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)) رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه 3 - 4 مطبوع ضمن مجموع الرسائل دار عالم الفوائد

ومن الجهاد أن يخاف المرء يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ يومَ لا ينفعُ مالُ ولا بنونَ إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا. يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد يوم يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير